للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ دِيَتُهُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ دِيَةِ النَّفْسِ كَالْإِصْبَعِ فِيهَا عُشْرُ دِيَةِ النَّفْسِ، فَإِذَا اقْتَصَّ مِنْهَا اسْتَوْفَى بِهَا خُمُسَ حَقِّهِ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي مِنْهَا، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ النِّصْفِ لِيَسْتَكْمِلَ بِهَا جَمِيعَ النِّصْفِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ دِيَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ يَقْتَصُّ مِنْهُ، وَإِنَّ زَادَ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ لِانْفِرَادِهِ بِالْحَاكِمِ عَنْ سُقُوطِ الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ كَمَا لَوِ انْفَرَدَ بِالِانْدِمَالِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ عِنْدِي أَشْبَهُ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصَّ بِنِصْفِ الدِّيَةِ مِنَ الأَعْضَاءِ إِلَّا مَا قَابَلَهَا؟ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ بَدَلًا مِنْهَا، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا أَمْكَنَ تَبْعِيضُهُ، وَأَنْ تُسْتَوْفَى مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ كَالْيَدَيْنِ إِذَا قَطَعَهُمَا فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَيُمْكِنُ أَنْ تُؤْخَذَ إِحْدَاهُمَا، وَفِيهِمَا نِصْفُ الدية فها هنا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ فِي إِحْدَى الْيَدَيْنِ، وَيَسْقُطُ فِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى بِهَا نِصْفَ الدِّيَةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَزِيدَ عَلَيْهَا فَوْقَ حَقِّهِ، وَيَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الِاقْتِصَاصِ مِنَ اليُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَمْ يُمْكِنْ تَبْعِيضُهُ كَجَدْعِ الْأَنْفِ، وَقَطْعِ الذَّكَرِ، فَيَسْقُطُ الْقَوَدُ فِيهِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ مِنَ الدِّيَةِ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ السُّمِّ: وَهُوَ الْقَاتِلُ فِي الْأَغْلَبِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ لَا يَقْتُلَ فَهَذَا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ مِنَ الجُرْحِ دُونَ السُّمِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ مِنَ السُّمِّ دُونَ الْجُرْحِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ مِنَ الآخَرِ فَجَرَى السُّمُّ مَجْرَى الْجُرْحِ الْآخَرِ، وَالْحُكْمُ فِي مُسْتَعْمِلِهِ عَلَى مَا مَضَى؛ لَكِنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ هَلْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْعَمْدِ الْمَحْضِ أَوْ خَطَأِ الْعَمْدِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فِي حُكْمِ خَطَأِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دِيَةُ التَّدَاوِي فَصَارَ خَطَأً فِي الْقَصْدِ، عَمْدًا فِي الْقَتْلِ، يَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنِ الْجَارِحِ فِي النَّفْسِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّ جُرْحَهُ صَارَ قَتْلًا وَيَكُونُ حُكْمُ شَرِيكِ عَمْدِ الْخَطَأِ كَشَرِيكِ الْخَطَأِ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ، فَإِنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ فِي الْجُرْحِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ شَرِيكَ الْخَطَأِ فِي الْجُرْحِ كَشَرِيكِهِ فِي النَّفْسِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ السُّمَّ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْعَمْدِ الْمَحْضِ، فَعَلَى هَذَا فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى الْجَارِحِ قَوْلَانِ عَلَى مَا مَضَى يُقَادُ مِنْ نَفْسِهِ فِي أَحَدِهِمَا لِخُرُوجِهَا بِعَمْدٍ مَحْضٍ، وَلَا يُقَادُ مِنْهَا فِي الْآخَرِ لِسُقُوطِهِ فِي حُكْمِ السُّمِّ إِذَا كَانَ الْمُتَدَاوِي بِهِ هُوَ الْمَجْرُوحُ، فَإِنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْقَوَدَ فِي الْجُرْحِ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا من الوجهين.

<<  <  ج: ص:  >  >>