للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَقْطُوعُ، لَمْ يَسْقُطِ الْقَوَدُ عَنِ الْقَاطِعِ بِإِسْلَامِهِ اعْتِبَارًا بِوُجُوبِهِ حَالَ الْجِنَايَةِ، وَوَجَبَ إِذَا انْعَكَسَ فِي الْمُسْلِمِ إِذَا قَطَعَ يَدَ نَصْرَانِيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَقْطُوعُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْقَاطِعِ الْقَوَدُ، اعْتِبَارًا بِسُقُوطِهِ عَنْهُ حَالَ الْجِنَايَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ إِسْقَاطٌ بِالْكُفْرِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ، وَإِيجَابٌ بِالْإِسْلَامِ عِنْدَ السِّرَايَةِ، وَجَبَ أَنْ يُغَلَّبَ حُكْمُ الْإِسْقَاطِ عَلَى حُكْمِ الْإِيجَابِ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ إِسْقَاطُ مَا وَجَبَ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِ إِيجَابُ مَا سَقَطَ، وَاعْتَبَرْنَا فِي الدِّيَةِ اسْتِقْرَارَهَا بَعْدَ السِّرَايَةِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا اعْتَبَرْنَا اسْتِقْرَارَ السِّرَايَةِ فِيمَا زَادَ فِي الْمُوضِحَةِ إِذَا صَارَتْ نَفْسًا فِي إِيجَابِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ بَعْدَ أَنْ وَجَبَ نِصْفُ عُشْرِهَا، وَفِيمَا نَقَصَ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إِذَا سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ فِي إِيجَابِ دِيَةٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ وُجُوبِ دِيَتَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِمَثَابَتِهِمَا مَا حَدَثَ مِنْ زِيَادَةِ الدِّيَةِ بِالْإِسْلَامِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ حُدُوثَ الزِّيَادَةِ فِي الْمَضْمُونِ مُلْتَزَمَةٌ كَزِيَادَةِ الْمَغْصُوبِ، فَلَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ هَذَيْنِ وَقَعَ الْفَرْقُ فِي اعْتِبَارِ الْقَوَدِ بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَاعْتِبَارِ الدِّيَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا بِالسِّرَايَةِ، وَهَكَذَا لَوْ جَرَحَ الْحُرُّ عَبْدًا فَأُعْتِقَ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ جَرَحَهُ وَهُوَ عَبْدٌ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ لِاسْتِقْرَارِهَا فِيهِ وَهُوَ حُرٌّ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا إِذَا جَرَحَ الْمُسْلِمُ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَجِبْ فِيهِ قَوَدٌ وَلَا دِيَةٌ، فَشَابَهَ النَّصْرَانِيَّ إِذَا أَسْلَمَ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ، وَخَالَفَهُ فِي الدِّيَةِ فِي تَرْكِ الِاعْتِبَارِ بِهَا عِنْدَ اسْتِقْرَارِهَا بِالسِّرَايَةِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ نَفْسَ النَّصْرَانِيِّ مَضْمُونَةٌ بِحَقْنِ دَمِهِ، فَضُمِّنَ مَا حَدَثَ بِالْإِسْلَامِ مِنْ زِيَادَةِ دِيَتِهِ، وَنَفْسُ الْمُرْتَدِّ هَدَرٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، فَصَارَ مَا حَدَثَ مِنْ سِرَايَتِهَا فِي الْإِسْلَامِ هَدَرًا غَيْرَ مَضْمُونٍ كَالسَّارِقِ إِذَا سَرَى إِلَى نَفْسِهِ الْقَطْعُ لَمْ يُضَمَّنْ، لِأَنَّ قَطْعَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَكَالْحَرْبِيِّ إِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُضَمَّنْ بِقَوَدٍ، وَلَا دِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْجِنَايَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ.

فَأَمَّا إِذَا جُرِحَ مقراً بِالزِّنَا وَهُوَ مُحْصَنٌ فَرَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ ثُمَّ مَاتَ فَفِي ضَمَانِ نَفْسِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُضْمَنُ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ لِإِبَاحَةِ نَفْسِهِ وَقْتَ الْجِنَايَةِ كَالْمُرْتَدِّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُضْمَنُ دِيَتُهُ وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ وَقْتَ الْجِنَايَةِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ أَنَّ الْمُرْتَدَّ مُبَاحُ الدَّمِ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ مِنْ رِدَّتِهِ، وَالزَّانِي مَحْظُورُ النَّفْسِ إِلَّا أَنْ يقيم على إقراره.

<<  <  ج: ص:  >  >>