للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ مَسْأَلَتَيِ الِاشْتِبَاهِ فَهِيَ الَّتِي ضَمَّهَا أَصْحَابُنَا إِلَى الثَّلَاثِ الْمَنْصُوصَاتِ، وَظَهَرَ فِيهَا مِنْ بَعْضِهِمْ خِلَافٌ.؟

وَهِيَ فِي مُسْلِمٍ أَرْسَلَ سَهْمَهُ عَلَى حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ وَصَلَ السَّهْمُ إِلَيْهِ فَمَاتَ، فَقَدْ جَمَعَ أَصْحَابُنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ، فَأَسْقَطُوا فِيهِ الْقَوَدَ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْإِرْسَالِ، وَأَوْجَبُوا فِيهِ دِيَةَ مُسْلِمٍ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْإِصَابَةِ.

وَفَرَّقَ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ، فَأَسْقَطَ فِي الْحَرْبِيِّ الْقَوَدَ وَالدِّيَةَ مَعًا، وَأَوْجَبَ فِي الْمُرْتَدِّ الدِّيَةَ، وَأَسْقَطَ الْقَوَدَ فَصَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ، وَمُفَرِّقًا بَيْنَهُمَا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ احْتِجَاجًا بِأَنَّ قَتْلَ الْحَرْبِيِّ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، وَقَتْلَ الْمُرْتَدِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إِلَّا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَسَاوِيهِمَا، قَبْلَ الْإِسْلَامِ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَسَاوِيهِمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فِي وُجُوبِ الدية.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَلَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَالدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا قَوَدَ لِلْحَالِ الْحَادِثَةِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِي مُسْلِمٍ جَرَحَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ مُسْلِمًا، فَلَا يَخْلُو زَمَانُ رِدَّتِهِ مِنْ أَنْ تَسْرِيَ فِيهِ الْجِنَايَةُ أَوْ لَا تَسْرِي.

فَإِنْ كَانَ زَمَانًا لَا تَسْرِي فِيهِ الْجِنَايَةُ فِي مِثْلِهِ لِقُرْبِهِ وَقِصَرِهِ، فَالدِّيَةُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ مِنْ جِنَايَةٍ وَسِرَايَةٍ، وَهُوَ مَضْمُونُ النَّفْسِ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ وَحَالِ السِّرَايَةِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكْمُلَ فِيهِ الدِّيَةُ، وَلَا يُؤَثِّرَ فِيهَا زَمَانُ الرِّدَّةِ إذا لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي السِّرَايَةِ.

فَأَمَّا الْقَوَدُ فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ فِيهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تُؤَثِّرِ الرِّدَّةُ فِي الدِّيَةِ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَسْقُطُ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالرِّدَّةِ فِي حَالٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهَا سَقَطَ الْقَوَدُ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ بِالِانْتِقَالِ عَنْهَا كَالْمَبْتُوتَةِ إِذَا ارْتَدَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِ زَوْجِهَا لَمْ تَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي رِدَّتِهَا لَمْ تَرِثْهُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ دِيَةَ النَّفْسِ كَامِلًا فَصَارَ قَاتِلًا، وَإِنْ كَانَتِ الرِّدَّةُ فِي زَمَانٍ تَسْرِي الْجِنَايَةُ فِي مِثْلِهِ لِطُولِهِ، فَلَا قَوَدَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مُسْتَحَقَّ ضَمَانِ النَّفْسِ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ وَالسِّرَايَةِ وَبَعْضِ السِّرَايَةِ الْمُقَابِلِ لِزَمَانِ الرِّدَّةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَصَارَ الضَّمَانُ مُخْتَصًّا بِالْجِنَايَةِ وَبَعْضِ السِّرَايَةِ، وَسَاقِطًا عَنْ بَعْضِ السِّرَايَةِ، فَسَقَطَ فِي الْحَالَيْنِ، لِأَنَّ الْقَوَدَ لَا يَتَبَعَّضُ وَجَرَى مَجْرَى عَفْوِ أَحَدِ الْوَلِيَّيْنِ عَنِ الْقَوَدِ، يُوجِبُ سُقُوطَهُ فِي حَقِّهِمَا، لِأَنَّ الْقَوَدَ لَا يَصِحُّ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>