للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّ الِانْدِمَالَ غَايَةٌ كَالسِّرَايَةِ، ثُمَّ كَانَ الِانْدِمَالُ بَعْدَ الْعِتْقِ يَقْتَضِي نَقْصَ قِيمَتِهِ، كَذَلِكَ السِّرَايَةُ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ الِانْدِمَالُ وَالسِّرَايَةُ فِي نُقْصَانِ الْقِيمَةِ، وَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ قِيمَتِهِ عَبْدًا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قِيمَتُهُ مِائَةَ دِينَارٍ ثُمَّ انْدَمَلَتْ بَعْدَ عِتْقِهِ وَجَبَ فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ وَلَوْ سَرَتْ إِلَى نَفْسِهِ وَجَبَ فِيهَا أَلْفُ دِينَارٍ دِيَتُهُ حُرًّا، كَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَا دِينَارٍ وَجَبَ فِيهَا إِذَا انْدَمَلَتْ أَلْفَانِ، وَإِذَا سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ أَلْفٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ الِانْدِمَالُ وَالسِّرَايَةُ فِي دِيَاتِ الْأَطْرَافِ حَتَّى لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَجَبَ فِي الِانْدِمَالِ دِيَتَانِ، وَفِي السِّرَايَةِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وجب أَنْ يَخْتَلِفَا فِي قَدْرِ الدِّيَةِ فَيَجِبُ إِذَا انْدَمَلَتْ أَلْفَا دِينَارٍ، وَإِذَا سَرَتْ أَلْفٌ وَاحِدٌ، وَهَذَا دَلِيلٌ وَانْفِصَالٌ، وَالْخَيْرُ الْمُسْتَزَادُ بِالْعِتْقِ هُوَ الثَّوَابُ، وَنُقْصَانُ الْقِيمَةِ فِيهِ لَيْسَ بِشَرٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ الْإِبْرَاءُ وَالْمَعُونَةُ فَصَارَ خَيْرًا أَيْضًا.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا بَعْدَ السِّرَايَةِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَإِنْ وَجَبَ بِالِانْدِمَالِ أَلْفَانِ فَهَذِهِ الْأَلِفُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ الْمُعْتِقِ دُونَ وَرَثَةِ الْعَبْدِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا كَانَتْ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ النَّصَارَى، لِأَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا.

قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ النَّصْرَانِيَّ كَانَ مَالِكًا لِلْأَرْشِ فِي الْجِنَايَةِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ، فَوُرِثَتْ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُسْلِمًا، وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ كَانَتْ مِلْكًا لِسَيِّدِهِ، فَلَمْ تُورَثْ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حُرًّا.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَعَلْتُمُوهَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْوَرَثَةِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِجِنَايَةٍ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ وَسرائهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فِي مِلْكِ الْمُعْتِقِ، فَيَكُونُ مَا قَابَلَ زَمَانَ الرِّقِّ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ وَمَا قَابَلَ زَمَانَ الْعِتْقِ لِلْوَارِثِ كَمَا لَوْ كَسَبَ مَالًا فِي الْعِتْقِ وَمَالًا فِي الرِّقِّ كَانَ مَا كَسَبَهُ فِي الرِّقِّ لِسَيِّدِهِ، وَمَا كَسَبَهُ فِي الْعِتْقِ لِوَارِثِهِ قِيلَ: السِّرَايَةُ أَثَّرَتْ نُقْصَانًا فِي حَقِّ السَّيِّدِ. فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَارِكَهُ الْوَارِثُ وَلَوْ أَثَّرَتْ زِيَادَةً كَانَتْ لِلْوَارِثِ، مِثْلَ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِائَةَ دِينَارٍ، وَقْتَ الْجِنَايَةِ، ثُمَّ يَسْرِي بَعْدَ الْعِتْقِ إِلَى نَفْسِهِ فَيَجِبُ فِيهَا أَلْفُ دِينَارٍ دِيَتُهُ حُرًّا فَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ مِنْهَا مِائَةُ دينار هي قيمته عبداً والباقي وهو تسع مائة دِينَارٍ لِوَرَثَتِهِ لِحُدُوثِهَا بَعْدَ عِتْقِهِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ قُطِعَ يَدُ عَبْدٍ وَأُعْتِقَ ثَمَّ مَاتَ فَلَا قَوَدَ إِذَا كَانَ الْجَانِي حُرًّا مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا حُرًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا حُرًّا وَعَلَى الْحُرِّ الدِّيَةُ كَامِلَةً فِي مَالِهِ لِلسَّيِّدِ مِنْهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَطْعِهِ وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِصَاصِ حَالُ الْجِنَايَةِ، وَالْمُعْتَبَرَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>