للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمُرَاهَقَتِهِ وَتَمْيِيزِهِ، فَيَكُونُ الْعَبْدُ هُوَ الْقَاتِلَ دُونَ السَّيِّدِ، فَإِنْ كَانَ بَالِغًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا لَمْ يَبْلُغْ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا.

وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهُ السَّيِّدُ: اقْتُلْنِي فَقَتَلَ سَيِّدَهُ بِأَمْرِهِ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْقَاتِلُ إِلَّا أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ فِي أَمْرِ السَّيِّدِ إِبْرَاءً مِنَ القَوَدِ، وَلَا يَثْبُتُ فِي رَقَبَتِهِ الدِّيَةُ، لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِمُسْتَحِقِّهَا مِنَ الوَرَثَةِ وَلَوْ قَالَ لَهُ السَّيِّدُ: اقْتُلْ نَفْسَكَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ كَانَ هُوَ الْقَاتِلَ لِنَفْسِهِ دُونَ السَّيِّدِ. وَهَكَذَا حُكْمُ الْأَبِ مَعَ ابْنِهِ إِذَا أَمَرَهُ بِالْقَتْلِ فِي أَنْ يُرَاعَى تَمْيِيزُ الِابْنِ، فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا يَعْلَمُ أَنَّ طَاعَةَ الْأَبِ فِي الْقَتْلِ لَا تَجِبُ، فَالِابْنُ هُوَ الْقَاتِلُ دُونَ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمَيِّزُ لِصِغَرِهِ أَوْ بَلَهِهِ، فَالْأَبُ هُوَ الْقَاتِلُ دُونَ الِابْنِ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا أَمَرَ أَجْنَبِيٌّ عَبْدَ غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ، فَأَطَاعَ الْعَبْدُ غَيْرَ سَيِّدِهِ فِي الْقَتْلِ، رُوعِيَ حَالُ الْعَبْدِ، فَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ طَاعَةِ سَيِّدِهِ وَطَاعَةِ غَيْرِهِ لِصِغَرِهِ أَوْ أَعْجَمِيَّتِهِ أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ آمِرٍ مُطَاعٌ كَانَ الْآمِرُ هُوَ الْقَاتِلَ، وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَ سَيِّدِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي الْتِزَامِ طَاعَتِهِ، فَالْعَبْدُ هُوَ الْقَاتِلُ دُونَ الْآمِرِ، فَإِنْ تَشَبَّهَ الْأَجْنَبِيُّ بِالسَّيِّدِ وَدَلَّسَ نفسه على العبد حين أمره القتل كَانَ الْآمِرُ هُوَ الْقَاتِلَ دُونَ الْعَبْدِ، إِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا يُفَرِّقُ فِي طَاعَةِ السَّيِّدِ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْمَحْظُورِ، وَإِنْ كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، فَالْعَبْدُ هُوَ الْقَاتِلُ دُونَ الْآمِرِ.

وَلَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْعَبْدِ: قَدْ أَمَرَكَ سَيِّدُكَ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ كَأَمْرِ سَيِّدِهِ، وَفِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ كَأَمْرِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ عَلَى مَا تَفَصَّلَ مِنَ الحُكْمَيْنِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ رَجَعَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ وَهُوَ أَوْلَاهُمَا لِأَنَّهُ قَتَلَ وَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَالثَّانِي أَنْ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ أَبَانَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَاهُمَا فَالْأَوْلَى أَحَقُّ بِالصَّوَابِ وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ فِي رَفْعِ الْقَوَدِ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ نَصْرَانِيًّا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ لَكَانَ الْقَوَدُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَسْلَمَ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِذَا كَانَ النَّصْرَانِيُّ الَّذِي يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ الْحَرَامُ الدَّمِ إِذَا أَسْلَمَ يُقْتَلُ بِالنَّصْرَانِيِّ فَالْمُبَاحُ الدَّمِ بِالرِّدَّةِ أَحَقُّ أَنْ يُقَادَ بِالنَّصْرَانِيِّ وَإِنْ أَسْلَمَ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا قَتَلَ مُرْتَدٌّ نَصْرَانِيًّا صَاحِبَ عَهْدٍ أَوْ جِزْيَةٍ، فَفِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ: أَنَّ الْقَوَدَ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَاجِبٌ، سَوَاءٌ أَقَامَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى الْكُفْرِ، وَإِنْ تَنَوَّعَ وَاخْتَلَفَ لِأَنَّ جَمِيعَ الْكُفْرِ مِلَّةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>