للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْكُفَّارِ، كَالْقَاتِلِ مُبَاحُ الدَّمِ فِي حُقُوقِ الْأَوْلِيَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ قَتَلَهُ الْأَوْلِيَاءُ لَمْ يَضْمَنُوا وَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُمْ ضَمِنُوا، كَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ إِنْ قَتَلَهُ أَوْلِيَاؤُهُ الْمُسْلِمُونَ لَمْ يَضْمَنُوهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُمْ ضَمِنُوهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطِّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَّهُ مَضْمُونٌ فِي حَقِّ النَّصْرَانِيِّ بِالْقَوَدِ دُونَ الدِّيَةِ، فَيُقَادُ بِهِ النَّصْرَانِيُّ، لِأَنَّ الْقَوَدَ مُعْتَبَرٌ بِالْمُعْتَقَدِ، وَقَدْ تَكَافَآ فِيهِ فَوَجَبَ فَإِنْ عَفَي عَنْهُ سَقَطَتِ الدِّيَةُ، لِأَنَّهَا بِوُجُوبِ الْحُرْمَةِ، وَلَا حُرْمَةَ لِنَفْسِ الْمُرْتَدِّ، فَلَمْ تَجِبْ فِي قَتْلِهِ دِيَةٌ، وَعَكْسُ مَا قَالَهُ ابْنُ سَلَمَةَ أَشْبَهُ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَوَدِ أَغْلَظُ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ لِأَنَّ عَمْدَ الْخَطَأِ يُوجِبُ الدِّيَةَ، وَلَا يُوجِبُ الْقَوَدَ، فَلَوْ قَالَ: إِنَّ الدِّيَةَ وَاجِبَةٌ لِبَيْتِ الْمَالِ دُونَ الْقَوَدِ لَكَانَ أَشْبَهَ بِالْأُصُولِ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا إِذَا وَجَبَ قَتْلُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، فَقَتَلَهُ رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ.

فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ الْقَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ وَاجِبٌ، لِأَنَّ وَلِيَّ قَتْلِهِ هُوَ الْإِمَامُ، فَإِذَا تَوَلَّاهُ غَيْرُهُ أُقِيدَ مِنْهُ، كَالْعَامِلِ إِذَا قَتَلَهُ غَيْرُ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ أُقِيدَ بِهِ.

وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ: أَنَّهُ لَا قَوَدَ، لِرِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَقْتُلُهُ؟ أَمْ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا حَتَّى تَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ كَفَى بِالسَّيْفِ شَا " يَعْنِي شَاهِدًا هَذَا فَانْصَرَفَ سَعْدٌ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ، لَوْ وَجَدْتُهُ لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلْأَنْصَارِ: أَمَا تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ؟ فَقَالُوا: اعْذُرْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ غَيُورٌ، وَمَا طَلَّقَ امْرَاةً فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنَّا ".

فَمَوْضِعُ الدليل منه أنه أباح قَتْلَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ.

وَرَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ رَجُلًا غَزَا، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَخَاهُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ. فَقَالَتْ لَهُ: أَدْرِكِ امْرَأَةَ أَخِيكَ، عِنْدَهَا رَجُلٌ يُحَدِّثُهَا، فَتَسَوَّرَ السَّطْحَ، فَإِذَا هِيَ تَصْنَعُ لَهُ دَجَاجَةً وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:

(وَأَشْعَثَ غَرَّهُ الْإِسْلَامُ مِنِّي ... خَلَوْتُ بِعِرْسِهِ لَيْلَ التَّمَامِ)

(أَبِيتُ عَلَى ترائبها ويمسي ... على جرد الأعنة والحزام)

(كَأَنَّ مَوَاضِعَ الرَّبَلَاتِ مِنْهَا ... فِئَامٌ يَنْهَضُونَ إِلَى فئام)

<<  <  ج: ص:  >  >>