للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسُمِّهِ، فَيَكُونُ السَّاقِي ضَامِنًا لِقِيمَةِ الطَّعَامِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالسُّمِّ كَالْمُسْتَهْلِكِ، وَفِي ضَمَانِهِ لِنَفْسِ الْمَسْمُومِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: يَضْمَنُهَا بِالْقَوَدِ، وَهَكَذَا يَكُونُ الْقَتْلُ بِالسُّمِّ فِي الْأَغْلَبِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَضْمَنُهَا بِالدِّيَةِ دُونَ الْقَوَدِ لِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ جِهَتِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ، وَيَكُونُ الْفَرْقُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ وَضْعِ السُّمِّ فِي طَعَامِ السَّاقِي وَوَضْعِهِ فِي طَعَامِ الْمَسْمُومِ أَنَّهُ أَكَلَ طَعَامَ السَّاقِي بِأَمْرِهِ فَصَارَ بِالْأَمْرِ ضَامِنًا لِدِيَتِهِ، وَأَكَلَ طَعَامَ نَفْسِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَمْ يَضْمَنْ ديته، والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ عَمَدَ عَيْنَهُ بِإِصْبَعِهِ فَفَقَأَهَا اقْتُصَّ مِنْهُ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ يَأْتِي مِنْهَا عَلَى مَا يَأْتِي بِهِ السِّلَاحُ مِنَ النَّفْسِ وَإِنْ لَمْ تَنْفَقِئْ وَاعْتَلَّتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا أَوِ انْتَجَفَتْ فَفِيهَا الْقِصَاصُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ بِأُصْبُعِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، لِأَنَّ الْإِصْبَعَ يَأْتِي مِنَ العَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحَدِيدُ مِنَ النَّفْسِ، وَالْعَيْنُ تَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهَا مِنَ الجَسَدِ وَتَنْفَصِلُ كَالْأَعْضَاءِ، فَوَجَبَ الْقَوَدُ فِيهَا كَالْأَطْرَافِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: ٤٥] قَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِالرَّفْعِ، وَقَرَأَ غَيْرُهُ بِالنَّصْبِ، وَهُوَ عَلَى قِرَاءَةِ الْكِسَائِيِّ ابْتِدَاءُ حُكْمٍ فِي شَرِيعَتِنَا، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ إِخْبَارٌ عَنْ شَرِيعَةِ غَيْرِنَا، وَهِيَ لَازِمَةٌ لَنَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ مَا لَمْ يَرِدْ نَسْخٌ، وَإِذَا كَانَ الْقَوَدُ فِيهَا وَاجِبًا، فَلَهَا حَالَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أن تنقلع الحدقة بالفقإ فَيَجُوزُ الِاقْتِصَاصُ مِنْهَا بِالْإِصْبَعِ مُقَابَلَةً لِلْجِنَايَةِ بِمِثْلِهَا، وَيَجُوزُ قَلْعُهَا بِالْحَدِيدِ، لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَأَسْرَعُ، فَإِنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يُبْصِرُ بِالْعَيْنِ الْأُخْرَى، جَازَ أَنْ يَتَوَلَّى الِاقْتِصَاصَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّاهُ لِخَوْفِ تَعَدِّيهِ، وَتَوَلَّاهُ وَكِيلُهُ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ الْحَدَقَةُ بَاقِيَةً فِي مَوْضِعِهَا، وَأَذْهَبَتِ الْأصْبَعُ ضَوْءَ بَصَرِهَا أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى رَأْسِهِ فَأَذْهَبَتْ ضَوْءَ بَصَرِهِ، أَوْ لَطَمَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَذَهَبَ ضَوْءُ نَاظِرِهِ، فَالْقِصَاصُ فِيهِ وَاجِبٌ، لِأَنَّ ضَوْءَ الْعَيْنِ يَجْرِي مِنْهَا مَجْرَى الرُّوحِ مِنَ الجَسَدِ، فَلَمَّا وَجَبَ الْقَوَدُ بِإِفَاتَةِ الرُّوحِ مَعَ بَقَاءِ الْجَسَدِ وَجَبَ الْقِصَاصُ بِإِذْهَابِ الضَّوْءِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، فَيُفْعَلُ بِالْجَانِي مِثْلُ فِعْلِهِ بِإِصْبَعٍ كَإِصْبَعِهِ أَوْ لَطْمَةٍ مِثْلِ لَطْمَتِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ وَاللَّطْمِ، وَلَكِنْ لِيُسْتَوْفَى بِاللَّطْمِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ.

فَإِنْ ذَهَبَتْ بِالْأصْبَعِ وَاللَّطْمَةِ ضَوْءُ عَيْنِ الْجَانِي فَقَدِ اسْتَوْفَى مِنْهُ الْقِصَاصَ.

وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ بِهَا ضَوْءُ عَيْنِهِ عُدِلَ إِلَى إِذْهَابِ ضوءها بِمَا تَبْقَى مَعَهُ الْحَدَقَةُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>