للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِلَاجٍ وَدَوَاءٍ، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ إِلَّا بِذَهَابِ الْحَدَقَةِ فَلَا قِصَاصَ فِيهَا وَعَلَيْهِ دِيَتُهَا، لِأَنَّ مَا لَمْ يُمْكِنِ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ إِلَّا بِالتَّعَدِّي إِلَى غَيْرِهِ سَقَطَ الْقِصَاصُ فِيهِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَ الْجَانِي مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ إِلَّا السَّكْرَانُ فَإِنَّهُ كَالصَّحِيحِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كُلُّ مَنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ قَلَمٌ بِجُنُونٍ أَوْ صِغَرٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ إِذَا جُرِحَ أَوْ قُتِلَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَنْتَبِهَ ".

وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ حَدٌّ فَأَشْبَهَ فِي سُقُوطِهِ عَنِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ سَائِرَ الْحُدُودِ.

وَلِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِحُقُوقِ الْأَبْدَانِ لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، فَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُمَا فَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ، لِأَنَّ حُقُوقَ الْأَمْوَالِ لَا تَسْقُطُ بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَلَمْ تَسْقُطْ بِعَدَمِ الْقَصْدِ كَالْخَاطِئِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِمَا، لَمْ تَخْلُ جِنَايَتُهُمَا مِنْ أَنْ تَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْخَطَأِ أَوِ الْعَمْدِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْخَطَأِ فَالدِّيَةُ مُتَحَقِّقَةٌ عَلَى عَوَاقِلِهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ فَفِي عَمْدِهِمَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَالْخَطَأِ لِعَدَمِ قَصْدِهِمَا فَتَكُونُ الدِّيَةُ مُحَقَّقَةً عَلَى عَوَاقِلِهِمَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَعَمْدِ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُمَا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا، فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمَا مُغَلَّظَةً فِي أَمْوَالِهِمَا حَالَّةً.

فَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ صِغَرِهِ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ بَعْدَ قَتْلِهِ، لَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ فِيمَا جَنَاهُ فِي الصِّغَرِ وَالْجُنُونِ، فَلَوِ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ مَعَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ.

فَقَالَ الْقَاتِلُ: قَتَلْتُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلَا قَوَدَ عَلَيَّ.

وَقَالَ الْوَلِيُّ: قَتَلْتَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَعَلَيْكَ الْقَوَدُ.

فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ الصِّغَرَ صِفَةٌ مُتَحَقِّقَةٌ، وَالْأَصْلُ: " أَنَّ جَنْبَ الْمُؤْمِنِ حِمًى ".

وَلَوْ قَالَ الْقَاتِلُ: كُنْتُ عِنْدَ الْقَتْلِ مَجْنُونًا. وَقَالَ الْوَلِيُّ: بَلْ كُنْتَ مُفِيقًا. فَلَا يَخْلُو حَالُ الْقَاتِلِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ لَا يُعْلَمَ لَهُ جُنُونٌ مُتَقَدِّمٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ، وَعَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>