للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: لَا دِيَةَ عَلَيْهِ اسْتِصْحَابًا لِحَالِ الْإِبَاحَةِ كَالْقَوَدِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الدِّيَةُ، لِأَنَّهُ صَادِقُ الْحَظْرِ بَعْدَ الْإِبَاحَةِ، فَصَارَ بِعَمْدِ الْخَطَأِ أَشْبَهَ، وَكَالْحَرْبِيِّ إِذَا أَسْلَمَ وَقَتَلَهُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِإِسْلَامِهِ ضَمِنَهُ بِالدِّيَةِ دُونَ الْقَوَدِ، قَدْ أَسْلَمَ الْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْيَمَانِ فَقَتَلَهُ قَوْمٌ مِنَ المُسْلِمِينَ لَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِهِ " فَقَضَى عَلَيْهِمْ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِدِيَتِهِ " وَمِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ خَرَّجَ أَصْحَابُنَا بَيْعَ الْوَكِيلِ بَعْدَ عَزْلِهِ وَقَبْلَ عِلْمِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ لِمُصَادَفَتِهِ حَالَ الْعَزْلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ صَحِيحٌ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ، وَمَسْأَلَةُ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي نَسْخِ الْحُكْمِ هَلْ يَلْزَمُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالنَّسْخِ، أَمْ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ بِنَسْخِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُ إِلَّا بَعْدَ انْتِشَارِهِ وَالْعِلْمِ بِهِ، لِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اسْتَدَارُوا فِي صَلَاتِهِمْ إِلَى الْكَعْبَةِ حِينَ بَلَغَهُمْ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ إِلَيْهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ فَرْضَ النَّسْخِ لَازِمٌ لِلْكَافَّةِ مَعَ الْبَلَاغِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ فِي جَمِيعِهِمْ وَلَا عَلِمَهُ أَكْثَرُهُمْ، لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْجَمَاعَةِ وَاحِدٌ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ إِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ مِنْ قَوَدٍ وَلَا عَقْلٍ فَقَتْلُ الْوَكِيلِ لِلْجَانِي يَكُونُ قَوَدًا وَيَكُونُ عَفْوُ الْمُوَكِّلِ بَاطِلًا، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي الْوَكِيلِ هَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَدْ أَجْرَى عَلَى قَتْلِهِ حُكْمَ اسْتِيفَائِهِ قَوَدًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَنْ رَمَى دَارَ الْحَرْبِ فَقَتَلَ مُسْلِمًا ضَمِنَهُ وَكَفَّرَ عَنْهُ.

وَإِنْ قِيلَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي إِنَّ الْوَكِيلَ ضَامِنٌ لِلدِّيَةِ، فَعَفْوُ الْمُوَكِّلِ صَحِيحٌ وَحَقُّهُ فِي الدِّيَةِ إِذَا اسْتَوْجَبَهَا عَلَى مَا مَضَى مِنَ التَّفْصِيلِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْجَانِي قَاتِلِ أَبِيهِ يَرْجِعُ بِهَا فِي مَالِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى وَكِيلِهِ، وَيَرْجِعُ أَوْلِيَاءُ الْقَاتِلِ الْمَقْتُولِ بِدِيَتِهِ عَلَى الْوَكِيلِ، وَهَلْ تَكُونُ حَالَّةً فِي مَالِ الْوَكِيلِ أَوْ مُؤَجَّلَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ تَكُونُ حَالَّةً فِي مَالِهِ مَعَ الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهُ عَامِدٌ فِي فِعْلِهِ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَوَدُ فِيهِ بِشُبْهَتِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِيَ هُرَيْرَةَ تَكُونُ مُؤَجَّلَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ، لِأَنَّهُ قَتَلَهُ مُعْتَقِدًا لِاسْتِبَاحَةِ قَتْلِهِ فَصَادَفَ الْحَظْرَ فَصَارَ خَاطِئًا فَإِذَا أُغْرِمَ الْوَكِيلُ الدِّيَةَ فَفِي رُجُوعِهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِهَا قَوْلَانِ، كَالزَّوْجِ الْمَغْرُورِ إِذَا أُغْرِمَ مَهْرَ الْمِثْلِ بِالْغُرُورِ هَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَارِمِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ صَارَ بِعَفْوِهِ غاراً

<<  <  ج: ص:  >  >>