للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى قَتْلِ الْعَبْدِ وَالْمُحَارِبِ، فَإِنْ جُعِلَ الْأَصْلُ فِيهِ الْعَبْدَ.

فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا تَدَاخَلَتْ جِنَايَاتُ خَطَئِهِ تَدَاخَلَتْ جِنَايَاتُ عَمْدِهِ، وَإِنْ جُعِلَ الْأَصْلُ قَتْلَ الْمُحَارِبِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَدَاخُلِ جِنَايَتِهِ فَذَهَبَ ابْنُ سُرَيْجٍ إِلَى أَنَّهَا لَا تَتَدَاخَلُ، وَيَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ بِالْأَوَّلِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ دِيَاتُ الْبَاقِينَ، وَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى تَدَاخُلِهَا، لِأَنَّهَا صَارَتْ بِانْحِتَامِ قَتْلِهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُقُوقُهُ تَتَدَاخَلُ وَإِذَا قِيلَ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ لَمْ يَنْحَتِمْ قَتْلُهُ، فَكَانَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَحُقُوقُهُمْ لَا تَتَدَاخَلُ وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْحُدُودِ وَقِيَاسِهِمْ عَلَى غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ.

فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ عَيْنٌ يَسْتَوْفُونَ حُقُوقَهُمْ مِنْهَا، فَاسْتَهَمُوا فِي الْمَوْجُودِ مِنْهَا. وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مُفْلِسًا لَكَانَ الْأَوْلِيَاءُ مَعَهُ بِمَثَابَتِهِمْ وَإِذَا فَارَقَ الْمُفْلِسُ يَسَارَهُ وَجَدَ الْأَوْلِيَاءُ سَبِيلًا إِلَى اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِمْ، فَافْتَرَقَ الْجَمْعَانِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ قَاتِلَ الْجَمَاعَةِ يُقْتَلُ بِأَحَدِهِمْ لَمْ يَخْلُ حَالُ قَتْلِهِ لِجَمَاعَتِهِمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَقْتُلَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ يقتلهم في دُفْعَة وَاحِدَة.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُشْكِلَ حَالُ قَتْلِهِ لَهُمْ وَمَنْ يُقَدَّمُ قَتْلُهُ مِنْهُمْ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَأَحَقُّهُمْ بِالِاقْتِصَاصِ مِنْهُ وَلِيُّ الْأَوَّلِ، فَلَا يُخَاطَبُ أَوْلِيَاءُ الْبَاقِينَ إِلَّا بَعْدَ عَرْضِ الْقِصَاصِ عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنْ طَلَبَهُ اقْتَصَّ مِنْهُ لِلْأَوَّلِ وَكَانَ فِي مَالِهِ دِيَاتُ الْبَاقِينَ، فَإِنِ اتَّسَعَ مَالُهُ لِجَمِيعِ دِيَاتِهِمُ اسْتَوْفَوْهَا وَإِنْ ضَاقَ عَنْهَا اسْتَهَمُوا فِيهَا بِالْحِصَصِ، وَصَارَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ فِيهَا أُسْوَةً، وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ الْأَسْبَقُ فِي الْقِصَاصِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الدِّيَةِ، لِأَنَّ مَحَلَّ الدِّيَةِ فِي الذِّمَّةِ، وَهِيَ تَتَّسِعُ لِجَمِيعِهَا، فَشَارَكَ الْمُتَأَخِّرُ الْأَسْبَقَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الذِّمَّةِ، وَمَحَلُّ الْقَوَدِ الرَّقَبَةُ، وَهِيَ تَضِيقُ عَنِ اقْتِصَاصِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَتَّسِعُ إِلَّا لِوَاحِدٍ، فَيُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ بِهَا عَلَى الْمُتَأَخِّرِ، فَإِنْ عَفَا الْأَوَّلُ عَنِ الْقِصَاصِ إِلَى الدِّيَةِ عُرِضَ الْقِصَاصُ عَلَى الثَّانِي، فَإِنِ اسْتَوْفَاهُ رَجَعَ الْأَوَّلُ وَمَنْ بَعْدَ الثَّانِي بَدِيَاتِهِمْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَإِنْ عَفَا الثَّانِي عَنِ الْقِصَاصِ إِلَى الدِّيَةِ عُرِضَ الْقِصَاصُ عَلَى الثَّالِثِ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِي وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى آخِرِهِمْ، فَلَوْ عَمَدَ الْإِمَامُ فَقَتَلَهُ لِلْأَخِيرِ فَقَدْ أَسَاءَ وَأَثِمَ إِنْ عَلِمَ بِتَقَدُّمِ غَيْرِهِ، وَلَا يَأْثَمُ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَهَكَذَا لَوْ بَادَرَ وَلِيُّ الْأَخِيرِ فَقَتَلَهُ قِصَاصًا لَمْ يَضْمَنْهُ، وَعُزِّرَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ الْبَاقُونَ بَدِيَاتِهِمْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَلَوْ كَانَ وَلِيُّ الْأَوَّلِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ غَائِبًا

<<  <  ج: ص:  >  >>