للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ مِنَ القَطْعِ، كَانَتْ نَفْسُهُ مَضْمُونَةً عَلَى الْجَانِي، وَلَوْ مَاتَ الْجَانِي مِنَ القِصَاصِ كَانَتْ نَفْسُهُ هَدَرًا لَا يَضْمَنُهَا الْمُقْتَصُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: سِرَايَةُ الْقِصَاصِ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُقْتَصِّ كَمَا أَنَّ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْجَانِي، فَإِذَا مَاتَ الْجَانِي مَعَ سِرَايَةِ الْقِصَاصِ ضَمِنَ الْمُقْتَصُّ جَمِيعَ دِيَةِ نَفْسِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ مَا حَدَثَ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُبَاشِرِ كَالْجَانِي.

وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِتَخْيِيرِ وَلِيِّهِ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ كَضَرْبِ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ وَالْأَبِ لِوَلَدِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ مَا حَدَثَ مِنَ التَّلَفِ عَنْ ضَرْبِ الزَّوْجِ وَالْأَبِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ مَا حَدَثَ عَنِ الْقِصَاصِ يجب أن يكون مضموناً على المتقص.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: ٤١] وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: " مَنْ مَاتَ مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ فَلَا دِيَةَ لَهُ الْحَقُّ قَتلهُ " وَلَيْسَ لَهُمَا مُخَالِفٌ فَصَارَ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّ مَا اسْتُحِقَّ قَطْعُهُ بِالنَّصِّ لَمْ يُضْمَنْ سِرَايَتُهُ كَالسَّرِقَةِ، وَلِأَنَّ السِّرَايَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِأَصْلِهَا فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا لِحَظْرِهِ ضُمِنَتْ سِرَايَتُهُ، وَإِنْ كَانَ هَدَرًا لِإِبَاحَتِهِ لَمْ يُضْمَنْ سِرَايَتُهُ اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَقَرِّ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ بِأَنَّ مَنْ أَوْقَدَ نَارًا فِي مِلْكِهِ فَتَعَدَّتْ إِلَى جَارِهِ، أَوْ أَجْرَى الْمَاءَ فِي أَرْضِهِ فَجَرَى إِلَى أَرْضِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَوْقَدَ النَّارَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَأَجْرَى الْمَاءَ فِي غَيْرِ أَرْضِهِ ضُمِنَ بِتَعَدِّيهِمَا، وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا سَقَطَ فِيهَا وَلَوْ حَفَرَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ضَمِنَ مَا سَقَطَ فِيهَا كَذَلِكَ سِرَايَةُ الْقِصَاصِ عَنْ مُبَاحٍ فَلَمْ يَضْمَنْ وَسِرَايَةُ الْجِنَايَةِ عَنْ مَحْظُورٍ فَضُمِنَتْ، وَهَذَا دَلِيلٌ وَانْفِصَالٌ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ السِّرَايَتَيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ ضَرْبِ الزَّوْجِ وَالْأَبِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِصَاصِ تَقْدِيرُ الْقِصَاصِ بِالشَّرْعِ نَصًّا، فَلَمْ يَضْمَنْ وَالضَّرْبُ عَنِ اجْتِهَادٍ فَضَمِنَ، كَمَا لَا يُضْمَنُ مَا حَدَثَ عَنْ جَلْدِ الزَّانِي وَيُضْمَنُ ضَرْبُ التَّعْزِيرِ.

(فَصْلٌ)

إِذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ فَاقْتَصَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنَ الجَانِي ثُمَّ سَرَى الْقَطْعَانِ إِلَى النَّفْسِ، فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَمَاتَ الْجَانِي فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَقَدَّمَ مَوْتُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى موت الجاني، فيجزي قَطْعُ الْقِصَاصِ وَسِرَايَتُهُ عَنْ قَطْعِ الْجَانِي وَسِرَايَتِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَتِ السِّرَايَةُ فِي الْجِنَايَةِ مَقَامَ الْمُبَاشَرَةِ وَجَبَ أَنْ تَقُومَ السِّرَايَةُ فِي الْقِصَاصِ مَقَامَ الْمُبَاشَرَةِ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى الْجَانِي أَخْذُ نَفْسِهِ وَقَدْ أَخَذَهَا وَلِيُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِسِرَايَةِ قَوَدِهِ، هَذَا مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ سِرَايَةَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بِهَا سِرَايَةَ الْجَانِي وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>