للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُنَّتِهِ الْإِخْفَاءُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَسْنُونًا كَالِاسْتِفْتَاحِ بِهِ، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ يَخْتَصُّ بِالْقُعُودِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِبٍ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ

وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرُّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَطَبَنَا فَعَلَّمَنَا وَبَيَّنَ لَنَا سُنَنَنَا، وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا إلى أن قال: " وإذا كان عند العقدة فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ التَّحِيَّاتُ " وَهَذَا أَمْرٌ

وَرَوَى عَلْقَمَةُ قَالَ: أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِيَدِي، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ: " إِذَا قُضِيَتْ صَلَاتُكَ فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ "، فَدَلَّ أَنَّهُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ لَمْ يَقْضِ صَلَاتَهُ، وَلِأَنَّهُ رُكْنٌ مُقَدَّرٌ بِذِكْرٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ فِيهِ مَفْرُوضًا، كَالْقِرَاءَةِ، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ مُمْتَدٌّ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَادَةُ، وَالْعِبَادَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَتَضَمَّنَهُ ذِكْرٌ وَاجِبٌ كَالْقِيَامِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا تَضَمَّنَهُ الْأَذَانُ مِنْ أَذْكَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ شَرْطًا فِي [صِحَّةِ] الصَّلَاةِ كَالتَّكْبِيرِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ عَقْدِهَا تَشْتَمِلُ عَلَى نَوْعَيْنِ مِنْ ذِكْرٍ مُعْجِزٍ، وَغَيْرِ مُعْجِزٍ، فَلَمَّا انْقَسَمَ الْمُعْجِزُ إِلَى مَفْرُوضٍ وَمَسْنُونٍ؛ وَجَبَ أَنْ يَنْقَسِمَ غَيْرُ الْمُعْجِزِ إِلَى مَفْرُوضٍ وَمَسْنُونٍ

فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: فَالثَّابِتُ عَنْهُ مَا رُوِّينَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَإِذَا قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ "، وَيُحْمَلُ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِذَا قَعَدْتَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ إِنْ كَانَ صَحِيحًا عَلَى مُقَارَنَةِ التَّمَامِ كَقَوْلِهِ سبحانه: تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٤] أَيْ: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ لِإِجْمَاعِنَا أَنَّ صَلَاتَهُ لَمْ تَتِمَّ إِلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْهَا

وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنَّمَا الْمَرْوِيُّ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاةُ مَنْ مَعَهُ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ مَرْوِيًّا لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَكُنِ السَّلَامُ وَالتَّشَهُّدُ فِيهِ مَفْرُوضًا، لِأَنَّ فَرْضَهَا متأخر

وأما قِيَاسُهُمْ عَلَى التَّسْبِيحِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الرُّكْنَ لَا يَتَقَرَّرُ بِهِ، وَكَذَا قِيَاسُهُمْ عَلَى الِافْتِتَاحِ

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أنه لما لم يكن له الْقُعُودُ وَاجِبًا لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ وَاجِبًا

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ وُجُوبُ التَّشَهُّدِ وَالْقُعُودِ فَذِكْرُ التَّشَهُّدِ يَأْتِي مِنْ بَعْدُ، وَأَمَّا الْقُعُودُ لَهُ فَيَكُونُ فِيهِ مُتَوَرِّكًا كَمَا وَصَفْنَا، وَيَكُونُ فِي الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ فِي هَذَا التَّشَهُّدِ كَمَا وَضَعَهُمَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ تشهد غير

<<  <  ج: ص:  >  >>