للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ قَطَعَهُمَا مِنْ رِجْلَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَ لِصَاحِبِ الْوُسْطَى الْقِصَاصُ إِذَا اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُ الْعُلْيَا، وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ بِقَطْعِ الْعُلْيَا ثُمَّ الْوُسْطَى، لَأَنَّ الْقِصَاصَ مُسْتَحَقٌّ بَعْدَ الْقَطْعِ وَالْعُلْيَا بَعْدَهُ مُسْتَحَقَّةُ الْقَطْعِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا أُقِيدُ بِيُمْنَى يُسْرَى وَلَا بِيُسْرَى يُمْنَى ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِصَاصِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ، فَالْجِنْسُ أَنْ تُؤْخَذَ الْيَدُ بِالْيَدِ، وَلَا تُؤْخَذُ يَدٌ بِرِجْلٍ، وَالنَّوْعُ أَنْ تُؤْخَذَ يُمْنَى بِيُمْنَى، وَلَا تُؤْخَذُ يُمْنَى بِيُسْرَى، فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى وَكَانَ لِلْقَاطِعِ يَدٌ يُمْنَى أَخَذْنَاهَا قَوَدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يُمْنَى سَقَطَ الْقِصَاصُ إِلَى الدِّيَةِ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِهَا الْيُسْرَى لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَقْطَعُ الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى وَلَا أَعْدِلُ عَنْهَا إِلَى الْيُسْرَى، فَإِنْ عَدِمْتُ الْيُمْنَى قَطَعْتُ الْيُسْرَى بِهَا، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الاسم وَتَمَاثُلِهِمَا فِي الْخِلْقَةِ وَتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ وَهَذَا خَطَأٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] وَلِأَنَّ مَا تَمَيَّزَ مَحَلُّهُ وَتَفَرَّدَ بِنَوْعِهِ لَمْ يَكُنِ الِاشْتِرَاكُ فِي الِاسْمِ الْعَامِّ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ كَالْأُصْبُع لَا تُؤْخَذُ السَّبَّابَةُ بِالْوُسْطَى وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي الِاسْمِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَحَلِّ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَخْذُ الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى عِنْدَ عَمْدِهَا لَجَازَ أَنْ تُؤْخَذَ بِهَا مَعَ وُجُودِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ مَعَ الوجود فكذلك مع العدم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قُلِعَ سِنُّهُ أَوْ قُطِعَ أُذُنُهُ ثُمَّ إِنَّ الْمَقْطُوعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَلْصَقَهُ بِدَمِهِ وَسَأَلَ الْقَوَدَ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بِإِبَانَتِهِ وَكَذَلِكَ الْجَانِي لَا يُقْطَعُ ثَانِيَةً إِذَا أُقِيدَ مِنْهُ مَرَّةً إِلَّا بِأَنْ يُقْطَعَ لِأَنَّهَا مَيِّتَةٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَشْتَمِلُ فِي الْقَاطِعِ وَالْمَقْطُوعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَقْطَعَ أُذُنَهُ فَيُبِينُهَا ثُمَّ إِنَّ الْمَقْطُوعَ أُذُنَهُ أَلْصَقَهَا بديها فَالْتَحَمَتْ مُنْدَمِلَةً ثُمَّ سَأَلَ الْقِصَاصَ مِنَ القَاطِعِ اقْتُصَّ لَهُ مِنْهُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِالْإِبَانَةِ، فَإِنْ سَأَلَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ أَنْ تُزَالَ أُذُنُ الْمُقْتَصِّ لَهُ.

قِيلَ: لَا حَقَّ لَكَ فِي إِزَالَتِهَا وَإِنَّمَا تُزَالُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهَا بَعْدَ الْإِبَانَةِ مَيِّتَةٌ نَجِسَةٌ يَلْزَمُ أَخْذُهُ بِإِزَالَتِهَا لِمَا عَلَيْهِ مِنِ اجْتِنَابِ الْأَنْجَاسِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ حُقٌّ يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَكَ، وَهَكَذَا لَوِ اقْتَصَّ مِنْ أُذُنِ الْجَانِي فَأَلْصَقَهَا بِدَمِهَا فَسَأَلَ الْمُقْتَصُّ لَهُ أَنْ تُعَادَ إِزَالَتُهَا، قِيلَ: لَهُ: قَدِ اسْتَوْفَيْتَ حَقَّكَ مِنَ القِصَاصِ بِالْإِبَانَةِ، وَإِنَّمَا تُزَالُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي حَقِّكَ، فَلَوْ قَطَعَ هَذِهِ الْأُذُنَ الْمُلْصَقَةَ قَاطِعٌ مِنَ المُقْتَصِّ لَهُ أَوْ مِنَ المُقْتَصِّ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْهَا بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ، وَيُعَزَّرُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ لَا لِتَعَدِّيهِ عَلَى الْمَقْطُوعِ، لِأَنَّهُ مستحق

<<  <  ج: ص:  >  >>