للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَسْتَحِقَّهَا الْمُشْتَرِي وَإِنِ انْدَمَلَتْ فِي مِلْكِهِ فَصَارَ ذَلِكَ عَفْوًا عَمَّا وَجَبَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ قَبْضَهَا، وَفِيهِ انْفِصَالٌ عَمَّا احْتَجَّ لَهُ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقَوَدِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَفْوًا عَنِ الدِّيَةِ وَيَكُونُ عَفْوًا مَقْصُورًا عَلَى الْقَوَدِ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ اخْتُصَّ بِالْحُكْمِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَعْفُوَ عَمَّا وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ وَلَا يُسَمَّى قَوَدًا وَلَا عَقْلًا فَيَكُونُ ذَلِكَ عَفْوًا عَنِ الْقَوَدِ، وَهَلْ يَكُونُ عَفْوًا عَنِ الدِّيَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِيمَا تُوجِبُهُ جِنَايَةُ الْعَمْدِ.

فإن قيل: إنها توجب أحد الأمرين مِنَ الْقَوَدِ أَوِ الْعَقْلِ كَانَ ذَلِكَ عَفْوًا عَنِ الدِّيَةِ كَمَا كَانَ عَفْوًا عَنِ الْقَوَدِ لوجوب الدية بالجناية كوجوب الْقَوَدِ بِهَا.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهَا تُوجِبُ الْقَوَدَ وحده [على التعيين] وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ إِلَّا بِاخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنِ الدِّيَةِ وَإِنْ صَحَّ عَفْوُهُ عَنِ الْقَوَدِ، لِأَنَّ الْقَوَدَ وَجَبَ وَالدِّيَةَ لَمْ تَجِبْ، فَهَذَا حُكْمُ الْجِنَايَةِ إِذَا انْدَمَلَتْ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ تَسْرِيَ إِلَى مَا دُونَ النَّفْسِ كَسِرَايَتِهَا مِنَ الْأُصْبُع إِلَى الْكَفِّ فَلَا قَوَدَ فِي الْكَفِّ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ سُقُوطَ الْقَوَدِ فِي أَصْلِ الْجِنَايَةِ مُوجِبٌ لِسُقُوطِهِ فِيمَا حَدَثَ عَنْهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ السِّرَايَةَ إِلَى الْأَطْرَافِ لَا تُوجِبُ الْقَوَدَ وَإِنْ وَجَبَ بِالسِّرَايَةِ إِلَى النَّفْسِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ أَخْذَ الْكَفِّ مَعَ اسْتِيفَاءِ الْأُصْبُع غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَأَمَّا دِيَةُ مَا ذَهَبَ بِالسِّرَايَةِ مِنَ الْكَفِّ فَوَاجِبٌ مُسْتَحَقٌّ لَا يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ عَنْ دِيَةِ الْأُصْبُع لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ:

أَحَدُهَا: إنَّهُ لَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ عَفْوٌ.

وَالثَّانِي: إنَّهُ لَمْ يَجِبْ عِنْدَ الْعَفْوِ وَلَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ عَفْوٌ.

وَالثَّالِثُ: إنَّ الدِّيَةَ لَمَّا تَبَعَّضَتْ لَمْ يَسْرِ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِهَا إِلَى جَمِيعِهَا، وَالْقَوَدَ لَمَّا لَمْ يَتَبَعَّضْ سَرَى الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِهِ إِلَى جَمِيعِهِ، وَيَلْزَمُهُ أَرْبَعَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ أَرْبَعُونَ مِنَ الْإِبِلِ، لِأَنَّ فِي الْأُصْبُع الْمَعْفُوِّ عَنْهَا عُشْرَ الدِّيَةِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ تَسْرِيَ جِنَايَةُ الْأُصْبُع إِلَى النَّفْسِ فَيَمُوتُ مِنْهَا فَلَا قَوَدَ فِي النَّفْسِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ سُقُوطَ الْقَوَدِ فِي أَصْلِ الْجِنَايَةِ يوجب سقوط فِيمَا حَدَثَ عَنْهَا، وَعَلَيْهِ دِيَةُ النَّفْسِ إِلَّا قَدْرَ دِيَةِ الْأُصْبُع إِذَا صَحَّ الْعَفْوُ عَنْ دِيَتِهَا، لِمَا قَدَّمْنَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>