للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا الْحَرَمُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: ١٩١]

وَلِرِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الكعبي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَرَّمَ مَكَّةَ، فَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر فلا يسفك فيها دماً، ولا يعضدن فِيهَا شَجَرًا، فَإِنْ رَخَّصَ مُتَرَخِّصٌ فَقَالَ إِنَّهَا أحلت لرسول الله فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّهَا لِي سَاعَةً، ثُمَّ هِيَ حَرَامٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا تغلظ بِالْحَرَمِ حُرْمَةُ الصَّيْدِ كَانَ أَوْلَى أَنْ تُغَلَّظَ بِهِ نُفُوسُ الْآدَمِيِّينَ.

وَأَمَّا الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السموات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] .

وَقَالَ تَعَالَى: {يسئلونك عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٧] . وَقَدْ قَالَ الْقِتَالُ فِيهَا محرما فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِعَظَمِ حُرْمَتِهَا، وَأَمَّا ذُو الرَّحِمِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد: ٢١] فَقِيلَ هِيَ الرَّحِمُ أَمَرَ اللَّهُ بِوَصْلِهَا وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ فِي قَطْعِهَا، وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ فِي الْمُعَاقَبَةِ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنَعَ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ مِنْ قَتْلِ أَبِيهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَالَ: " دَعْهُ يَلِي قَتْلَهُ غَيْرُكَ " حَتَّى قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمَنَعَ أَبَا بَكْرٍ مِنْ قَتْلِ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَخْصُوصَةً بِزِيَادَةِ الْحُرْمَةِ وَعِظَمِ الْمَأْثَمِ فِي الْقَتْلِ جَازَ أَنْ يُخْتَصَّ بِتَغْلِيظِ الدِّيَةِ كَالْعَمْدِ وَعَمْدِ الْخَطَأِ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ قَتْلٌ فِي الْحَرَمِ فَكَانَ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي قَدْرِ غُرْمِهِ سَوَاءً كَقَتْلِ الصَّيْدِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ عُمُومِ جَوَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَتَخْصِيصُهُ بِدَلِيلِنَا.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْكَفَّارَةِ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَتَغَلَّظْ بِالْعَمْدِ لَمْ تَتَغَلَّظْ بِهَذِهِ الأٍسباب، وَالدِّيَةُ لَمَّا تَغَلَّظَتْ بِالْعَمْدِ تَغَلَّظَتْ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْعَمْدِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى غَايَةَ التَّغْلِيظِ فَلَمْ يَبْقَ لِلتَّغْلِيظِ تَأْثِيرٌ وَالْخَطَأُ بِخِلَافِهِ.

وَأَمَّا اعْتِبَارُهُمْ حَرَمَ مَكَّةَ بِحَرَمِ الْمَدِينَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ غَلَّظَ الدِّيَةَ فِيهَا كَتَغْلِيظِهَا بِمَكَّةَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ " إِنَّ صَيْدَهَا مَضْمُونٌ " فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>