للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى عَطَاءٌ قَالَ: كَانَتِ الدِّيَةُ بِالْإِبِلِ حَتَّى قَوَّمَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: " مَا قَوَّمَهَا إِلَّا قِيمَةَ يَوْمِهَا " وَإِذَا كَانَ الْعُدُولُ عَنْهَا قِيمَةً لَهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ الْقِيَمَ إِلَّا بَعْدَ الْعَدَمِ، لِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّهُ الْآدَمِيُّونَ مِنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ إِذَا تَعَيَّنَتْ لَمْ يَدْخُلْهَا تَخْيِيرٌ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَلَيْسَ لِمَا احْتِيجَ بِهِ مِنْ قضاء النبي

بِجَمِيعِهَا وَجْهٌ لِاحْتِمَالِ قَضَائِهِ بِذَلِكَ مَعَ الْإِعْوَازِ وَالْعَدَمِ، وَلَا تُوجِبُ الْمُوَاسَاةُ بِهَا التَّخْيِيرَ فِيهَا كَمَا لَا يُخَيَّرُ بَيْنَ مَا سِوَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنَ الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ " إِنَّهَا أَرْفَقُ ".

(فَصْلٌ)

قَدَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّيَةَ مِنَ الْوَرِقِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا إِذَا تَقَدَّرَتْ كَانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَوَّمَ الشَّافِعِيُّ كُلَّ دِينَارٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَقَوَّمَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ اسْتِدْلَالًا بِقَضَاءِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الدِّيَةِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَبِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " وَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُلِّ عَشَرَةٍ مِنْكُمْ وَاحِدًا مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ ". صَرْفَ الدِّينَارَ بِالدَّرَاهِمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قِيمَةَ الدِّينَارِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَدَّرَ فِي الزَّكَاةِ وَالسَّرِقَةِ كُلَّ دِينَارٍ فِي مُقَابَلَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَمَّا الزَّكَاةُ فَلِأَنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا وَنِصَابَ الْوَرِقِ مِائَتَا دِرْهَمٍ.

وَأَمَّا السَّرِقَةُ فَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْقَطْعُ فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ".

وَدَلِيلُنَا مَا رَوَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ [وَحَدِيثُ عمرو بن حزم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ] ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ سَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الدِّيَةِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَظْهَرْ مُخَالِفٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا لَا يُسَوَّغُ خِلَافُهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي الدِّيَةِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ قِيلَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ مَا رَوَيْنَاهُ وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ وَحَضَرَ السِّيرَةَ فِيهِ فَكَانَ أَثْبَتَ نَقْلًا وَأَصَحَّ عَمَلًا وَلَوْ تَعَارَضَتْ عَنْهُ الرِّوَايَتَانِ كَانَ خَارِجًا مِنْ خِلَافِهِمْ وَوِفَاقِهِمْ، وَلَكَانَ قَوْلُ مَنْ عَدَاهُمْ إجماعاً منعقداً.

فإن قيل فتحمل الاثني عَشَرَ أَلْفًا عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ، وَالْعَشَرَةُ آلَافٍ عَلَى وَزْنِ سَبْعَةٍ، فَيَكُونُ وِفَاقًا فِي الْقَدْرِ وَإِنْ كَانَ خِلَافًا فِي الْعَدَدِ.

قِيلَ: لَيْسَ تُعْرَفُ دَرَاهِمَ الْإِسْلَامِ إِلَّا وِزَانٌ سَبْعَةٌ، وَلَوْ جَازَ لَكُمْ أَنْ تَتَأَوَّلُوهُ عَلَى هَذَا لَجَازَ لَنَا أَنْ نُقَابِلَكُمْ بِمِثْلِهِ فَتَأَوَّلَ مَنْ رَوَى عشرة آلاف درم عَلَى أَنَّهَا وَزْنُ ثَمَانِيَةٍ، وَمَنْ رَوَى اثْنَيْ عشر ألف عَلَى أَنَّهَا وَزْنُ سَبْعَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>