للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤس مِنْ عَوْدِهِ فَنَقْضِي فِيهِ بِالْقَوَدِ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ وَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ ظَاهِرَةً لَمْ تَمْحَقْهَا الْجِنَايَةُ، فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ بَصَرُهَا مَعَ بَقَائِهَا عَلَى صُورَتِهَا فَيُوقَفُ عُلَمَاءُ الطِّبِّ عَلَيْهَا فَلَا يَخْلُو حَالُهُمْ فِيهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ مِنْهَا عِلْمٌ أَوْ لَا يَكُونُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْهَا عِلْمٌ لِإِشْكَالِهَا وَتَجْوِيزِهِمْ أَنْ يَكُونَ بَصَرُهَا ذَاهِبًا وَبَاقِيًا عَمِلْنَا عَلَى قَوْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ دُونَ الْجَانِي، لِأَنَّ ذَهَابَ بَصَرِهَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَجُعِلَ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا بِأَنْ يُسْتَقْبَلَ فِي أَوْقَاتِ غَفَلَاتِهِ بِمَا يُزْعِجُ الْبَصِيرَ رُؤْيَتُهُ، وَيُشَارُ إِلَى عَيْنِهِ بِمَا يَتَوَقَّاهُ الْبَصِيرُ بِإِغْمَاضِهَا وَيُؤْمَرُ بِالْمَشْيِ في طريق الخطائر وَالْآبَارِ وَمَعَهُ مَنْ يَحُولُهُ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَإِذَا دَلَّتْ أَحْوَالُهُ بِأَنْ لَا يُطْبِقَ طَرْفَهُ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّى بِئْرًا إِنْ كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ صَارَ ذَلِكَ مِنْ شَوَاهِدِ صِدْقِهِ، فَيَحْلِفُ مَعَ ذَلِكَ لِجَوَازِ تَصَنُّعِهِ فِيهِ، وَنَقْضِي لَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ بِالْقَوَدِ فِي الْعَمْدِ والدية في الخطأ، وإن كان يطيق طَرْفَهُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ وَيَتَوَقَّى بِئْرًا إِنْ كَانَتْ وَيَعْدِلُ عَنْ حَائِطٍ إِنْ لَقِيَهُ صَارَتْ شَوَاهِدُ هَذَا الظَّاهِرِ مُنَافِيَةً لِدَعْوَاهُ، فَانْتَقَلَ الظَّاهِرُ إِلَى جَنَبَةِ الْجَانِي، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ بِاللَّهِ إِنَّ بَصَرَهُ لَبَاقٍ لَمْ يَذْهَبْ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَحَرُّزُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ، فَاسْتَظْهَرَ لَهُ بِالْيَمِينِ، فَإِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يُرْجَعْ إِلَى قَوْلِهِمَا وَلَمْ يقبل دعواهما، لأنه لا حكم لهما، وَوُقِفَ أَمْرُهُمَا إِلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ بَعْدَ حَبْسِ الْجَانِي لِيَرْجِعَ إِلَى قَوْلِهِمَا إِذَا بَلَغَ الصبي وأفاق المجنون أو يموتان فيقوم مَقَامَهُمَا فِيمَا يَدَّعِيَانِهِ مِنْ ذَهَابِ الْبَصَرِ وَإِحْلَافِهِمَا عليه إن كان معهما ظَاهِرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ)

وَإِنْ كَانَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الطِّبِّ مِنْ حَالِ الْعَيْنِ فَلَا يَخْلُو عِلْمُهُمْ بِهَا مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أقسام:

أحدها: أن يشهد عدولهم ببقاء ببصرها فِي الْحَالِ وَفِي ثَانِي الْحَالِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَشْهَدُوا بِبَقَائِهِ فِي الْحَالِ وَجَوَازِ ذَهَابِهِ فِي ثَانِي حَالٍ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَشْهَدُوا بِذَهَابِهِ فِي الْحَالِ وَفِي ثَانِي حَالٍ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَشْهَدُوا بِذَهَابِهِ فِي الْحَالِ وَجَوَازِ عَوْدِهِ فِي ثَانِي حَالٍ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: إِذَا شَهِدُوا بِبَقَاءِ الْبَصَرِ فِي الْحَالِ وَمَا بَعْدَهَا حُكِمَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ، فَبَرِئَ الْجَانِي مِنَ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ، ونظر في الجناية فإن كان لها [أثر] يُوجِبُ حُكُومَةً غَرِمَهَا وَلَمْ يُعَزَّرْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَثَرٌ عُزِّرَ أَدَبًا وَلَمْ يُغَرَّمْ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: إِذَا شَهِدُوا بِبَقَاءِ بَصَرِهِ فِي حَالٍ وَجَوَازِ ذَهَابِهِ فِي ثَانِي حَالٍ لم

<<  <  ج: ص:  >  >>