للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن القول قول الجاني مع يمينه، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَوَدِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ.

وَالثَّانِي: إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَوْلِيَاءِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ، لِأَنَّ الأصل بقاء الحياة.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَسَعُهَا أَنْ تَشْهَدَ إِذَا رَأَتْهُ يُتْبِعُ الشَّخْصَ بصره ويطرف عنه ويتوقاه وكذلك المعرفة بانبساط اليد والذكر وانقباضهما، وكذلك المعتوه والصبي وَمَتَّى عَلِمَ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَهُوَ عَلَى الصِّحَّةِ حتى يعلم غيرها ".

قال الماوردي: وَأَصْلُ الشَّهَادَةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِأَقْصَى جِهَاتِ الْعِلْمِ بِهَا، فَإِذَا شَهِدُوا بِسَلَامَةِ الْبَصَرِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُشَاهَدُ فَقَدْ يَقْتَرِنُ بِالشَّهَادَةِ مِنْ أَمَارَاتِ الْعِلْمِ بِهِ مَا لَا يَعْتَرِضُهُ شَكٌّ، وَهُوَ أَنْ يَرَاهُ يَتْبَعُ الشَّخْصَ وَيَسَلُكُ الْمَعَاطِفَ وَيَتَوَقَّى الْآبَارَ، وَيَقْرَأُ الْكُتُبَ، وَيَتَطَرَّفُ عَيْنَهُ عَنِ الْأَذَى، فَيَعْلَمُ بِهَذِهِ الْأَمَارَاتِ وَالدَّلَائِلِ عِلْمًا لَا يَدْخُلُهُ شَكٌّ أَنَّهُ يُبْصِرُ، فَجَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِسَلَامَةِ بَصَرِهِ، وَهَكَذَا فِي سَلَامَةِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إِذَا رَآهُ يَمْشِي عَلَى قَدَمَيْهِ، وَيَقْبِضُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ، وَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ قَبْضًا وَبَسْطًا، وَرَفْعًا وَوَضْعًا، عَلِمَ بِذَلِكَ سَلَامَتَهَا مِنْ شَلَلٍ، فَجَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالصِّحَّةِ، وَهَكَذَا الذَّكَرُ وَهُوَ مِنَ الْأَعْضَاءِ يَجُوزُ إِذَا رَآهُ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الشَّلَلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُشَاهِدَهُ فِي إِحْدَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

إِمَّا حَالَ الصِّغَرِ قَبْلَ تَغْلِيظِ عَوْرَتِهِ.

أَوْ يُشَاهِدَهُ فِي الْكِبَرِ بِالِاتِّفَاقِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ لِمُشَاهَدَتِهِ.

أَوْ يَكُونُ طَبِيبًا قَدْ دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إِلَى مُشَاهَدَتِهِ، فَأَمَّا إِنْ تَعَمَّدَ فِي الْكِبَرِ لِلنَّظَرِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقَدْ فَسَقَ، وَلَا يُقْبَلُ لِلْفَاسِقِ شَهَادَةٌ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ لِلصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ بسلامة أعضائه، لأنه يستبدل عَلَيْهَا بِحَرَكَاتِ طَبْعِهِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَمَتَّى عَلِمَ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَهُوَ عَلَى الصِّحَّةِ " وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ بِهَا نُظِرَتْ شَهَادَتُهُمَا، فَإِنْ شَهِدَا لَهُ بِالصِّحَّةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ حُكِمَ بِهَا، وَلَمْ يُسْتَحْلَفِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَعَهَا، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُغْنِي عَنِ الْيَمِينِ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ، وَإِنْ شَهِدَا بِالسَّلَامَةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ فَفِي سَمَاعِهَا وَالْحُكْمِ بِهَا قَوْلَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِيمَنْ عَلِمَ بِتَقَدُّمِ سَلَامَتِهَا هَلْ يُحْكَمُ فِيهَا عِنْدَ الْجِنَايَةِ بِقَوْلِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُحْكَمُ بِقَوْلِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ لَهُ بِتَقَدُّمِ سَلَامَتِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُحْكَمُ لَهُ بِقَوْلِهِ، فَعَلَى هَذَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ لَهُ بِتَقَدُّمِ سَلَامَتِهِ، ثُمَّ يُسْتَحْلَفُ مَعَهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى السَّلَامَةِ إلى حين جنايته.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَفِي الْجُفُونِ إِذَا اسْتُؤْصِلَتِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>