للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد منهما ربع الدية لأن ذلك من تمام خلقته وما يألم بقطعه ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا جُفُونُ الْعَيْنَيْنِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ تُحِيطُ بِالْعَيْنَيْنِ مِنْ أَعْلَى وَأَسْفَلَ، وَتَحْفَظُهُمَا مِنَ الْأَذَى، وَتَجْلِبُ إِلَيْهِمَا النَّوْمَ، وَيَكْمُلُ بِهِنَّ جَمَالُ الوجه والعين، وفيها إذا استوصلت الدِّيَةُ تَامَّةً.

وَقَالَ مَالِكٌ: فِيهَا حُكُومَةٌ، لِأَنَّ مَقَادِيرَ الدِّيَاتِ مَوْقُوفٌ عَلَى النَّصِّ وَلَيْسَ فِيهَا نَصٌّ، وَلِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعَيْنَيْنِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهَا الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ، لِأَنَّ حُكْمَ التَّبَعِ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ الْمَتْبُوعِ.

وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ " وَفِي الجفون إذا استوصلت الدِّيَةُ " وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الْخِلْقَةِ فِيهَا مَنْفَعَةٌ وَجَمَالٌ تَأَلَّمَ بِقَطْعِهَا وَيُخَافُ عَلَى النَّفْسِ مِنْ سِرَايَةِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا، فَوَجَبَ أَنْ تَكْمُلَ الدِّيَةُ فِيهَا كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَلَا يُمْتَنَعُ، وَإِنْ كَانَتْ تَبَعًا أَنْ تُسَاوِيَ مَتْبُوعًا فِي الدِّيَةِ إِذَا اخْتُصَّتْ بِزِيَادَةِ جَمَالٍ وَمَنْفَعَةٍ كَالْأَنْفِ فِي الشَّمِّ، وَالْأُذُنَيْنِ فِي السَّمْعِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِيهَا الدِّيَةَ فَسَوَاءٌ استوصلت مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ بَصِيرٍ، لِأَنَّ لِلضَّرِيرِ بِهَا مَنْفَعَةً وَجَمَالًا وَإِنْ كَانَتْ مَنْفَعَةُ الْبَصَرِ بِهَا أَعَمَّ.

فَأَمَّا الْقَوَدُ فَإِنْ أَمْكَنَ فِيهَا وَلَمْ يَتَعَدَّ ضَرَرُهُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ وَجَبَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَقَطَ، فَإِنْ قَلَعَ جَفْنًا وَاحِدًا فَفِيهِ رُبْعُ الدِّيَةِ، لِأَنَّ كُلَّ ذِي عَدَدٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ إِذَا كَمُلَتْ فِيهِ الدِّيَةُ تَقَسَّطَتْ عَلَى عَدَدِهَا كَالْيَدَيْنِ فِي تَقْسِيطِ دِيَتِهَا عَلَى الْأَصَابِعِ، وَتُقَسَّطُ دِيَةُ الْإِصْبَعِ عَلَى الْأَنَامِلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَفْنُ أَعْلَى أَوْ أَسْفَلَ، وَفِي الْجَفْنَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي ثَلَاثَةِ جُفُونٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ، فَلَوْ جَنَى عَلَى عَيْنَيْهِ فَقَطَعَ جُفُونَهُمَا وَأَذْهَبَ بَصَرَهُمَا لَزِمَتْهُ دِيَتَانِ.

إِحْدَاهُمَا: فِي الْجُفُونِ.

وَالْأُخْرَى: فِي الْعَيْنَيْنِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَيْهِ وَأَذْهَبَ سَمْعَهُ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا أَهْدَابُ الْعَيْنَيْنِ وَأَشْفَارُهُمَا مِنَ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي أَجْفَانِهِمَا فَفِيهِمَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ ذَبُّهَا عَنِ الْبَصَرِ، وَمِنِ الْجَمَالِ حُسْنُ الْمَنْظَرِ، وَفِيهَا إِذَا انْتَفَتْ فَلَمْ تَعُدْ حُكُومَةً.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِيهَا الدِّيَةُ.

وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ فِي قَطْعِ مَا يُخَافُ مِنْ سِرَايَتِهِ وَيُؤْلَمُ فِي إِبَانَتِهِ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الْأَهْدَابِ وَمَوْجُودٌ فِي الْجُفُونِ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ فِي الْأَجْفَانِ دِيَةٌ، وَفِي الْأَهْدَابِ حُكُومَةٌ، فَإِنْ نَتَفَ أَهْدَابَهُ فَعَادَ نَبَاتُهَا دُونَ مَا كَانَتْ فَفِيهَا مِنَ الْحُكُومَةِ أَقَلُّ مِمَّا فِيهَا لَوْ لَمْ تَعُدْ، فَإِنْ عَادَ نَبَاتُهَا إِلَى ما كانت عليه ففيهما وجهان:

<<  <  ج: ص:  >  >>