للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكُومَةٌ، فَإِنْ جُبِرَ حَتَّى عَادَ مُسْتَقِيمًا كَانَتْ حُكُومَتُهُ أَقَلُّ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَى عِوَجِهِ كَانَتْ حُكُومَتُهُ أَكْثَرَ بِحَسَبِ شَيْنِهِ.

(فَصْلٌ)

وَلَوْ جُدِعَ أَنْفُهُ فَأَعَادَهُ بِحَرَارَةِ دَمِهِ حَتَّى الْتَحَمَ نُظِرَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْجِنَايَةِ قَدْ بَانَ وَانْفَصَلَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ كَالْجِرَاحَةِ الْمُنْدَمِلَةِ، وَإِنْ بَانَ وانفصل ففيه الدية كامل، لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى تَرْكِهِ، وَيُؤْخَذُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِقَطْعِهِ، لِأَنَّهُ صَارَ بِالِانْفِصَالِ مَيِّتًا نَجِسًا، وَلَوْ أَلْصَقَهُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ حَتَّى الْتَحَمَ أُخِذَ بِقَطْعِهِ وَإِزَالَتِهِ، فَإِنْ كَانَ إِلْصَاقُهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ كَانَ مَأْخُوذًا بِقَطْعِهِ فِي حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ كَانَ مَأْخُوذًا بِقَطْعِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَفِي ذَهَابِ الشَّمِّ الدِّيَةُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ عَمْرِو بن حزم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي كِتَابِهِ إِلَى الْيَمَنِ: " وَفِي الشَّمِّ الدِّيَةُ "، وَلِأَنَّ الشَّمَّ مِنَ الْحَوَاسِّ النَّافِعَةِ فَأَشْبَهَ حَاسَّةَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَهُوَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ الَّتِي لَا تُرَى وَلَا تُعْلَمُ إِلَّا مِنْ صَاحِبِهَا، فَإِنِ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ذَهَابَ شَمِّهِ وأنكره الجاني وادعى بقاؤه كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَهَابَهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ لَكِنْ يستظهر عليه بغاية ما يمكن في اختيار صِدْقِهِ بِأَنْ يُثَارَ عَلَيْهِ فِي أَوْقَاتِ غَفَلَاتِهِ الروائع الطَّيِّبَةُ وَالْمُنْتِنَةُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ لَا يَرْتَاحُ إِلَى الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ وَلَا يَظْهَرُ مِنْهُ كَرَاهَةٌ لِلرَّوَائِحِ الْمُنْتِنَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِدْقِهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، لِإِمْكَانِ تَصَنُّعِهِ، وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ الِارْتِيَاحُ لِلرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ وَالْكَرَاهَةُ لِلرَّوَائِحِ الْمُنْتِنَةِ، صَارَ الظَّاهِرُ بِهَا فِي جَنَبَةِ الْجَانِي فَأُحْلِفَ عَلَى بَقَاءِ شَمِّهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَلَوْ أُحْلِفَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى ذَهَابِ شَمِّهِ ثُمَّ غَطَّى أَنْفَهُ عِنْدَ رَائِحَةٍ مُنْتِنَةٍ فَادَّعَى الْجَانِي أَنَّهُ غَطَّاهُ لِبَقَاءِ شَمِّهِ.

وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: بَلْ غَطَّيْتُهُ لِحَاجَةٍ أَوْ عَادَةٍ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ دُونَ الْجَانِي، وَيُحْكَمُ لَهُ بِالدِّيَةِ لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ.

(فَصْلٌ)

وَلَوْ ذَهَبَ شَمُّهُ وَقَضَى لَهُ بِالدِّيَةِ ثُمَّ عَادَ شَمُّهُ لَزِمَهُ رَدُّ الدِّيَةِ، وَعُلِمَ أَنَّ ذَهَابَ شَمِّهِ كَانَ لِحَائِلٍ دُونَهُ، وَلَا حُكُومَةَ لَهُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي لَمْ يَشُمَّ فِيهَا، لِبَقَاءِ شَمِّهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ عَوْدِهِ أَضْعَفَ مِنْهُ قَبْلَ ذَهَابِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَشُمُّ مِنْ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ فَصَارَ يَشُمُّ مِنَ الْقَرِيبِ، وَلَا يَشُمُّ مِنَ الْبَعِيدِ، أَوْ كَانَ يَشُمُّ الرَّوَائِحَ الْقَوِيَّةَ وَالضَّعِيفَةَ فَصَارَ يَشُمُّ الرَّوَائِحَ الْقَوِيَّةَ دُونَ الضَّعِيفَةِ، فَإِنْ عُلِمَ قَدْرُ الذَّاهِبِ مِنْهُ وَلَا أَحْسَبُهُ يُعْلَمُ كَانَ فِيهِ مِنَ الدِّيَةِ بِقِسْطِ الذَّاهِبِ، فَإِنْ لَمْ يحلم فَفِيهِ حُكُومَةٌ.

وَلَوْ كَانَ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ يَشُمُّ شَمًّا ضَعِيفًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَشُمَّ مِنَ الْقَرِيبِ أَوِ الْقَوِيِّ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>