للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَوْلِهِ هَكَذَا السُّنَّةُ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا سَاوَتِ الرَّجُلَ فِي الْمِيرَاثِ إِلَى الْمُقَدَّرِ بِالثُّلُثِ وَهُوَ مِيرَاثُ وَلَدِ الْأُمِّ الَّذِي يستوي فيه الذكر وَالْإِنَاثُ وَكَانَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الرَّجُلِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَجَبَ أَنْ تَسَاوِيَهُ فِي الدِّيَةِ إِلَى الثُّلُثِ وَتَكُونَ عَلَى النِّصْفِ فِيمَا زَادَ.

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ نَقْصَ الْأُنُوثَةِ لَمَّا مَنَعَ مِنْ مُسَاوَاةِ الرَّجُلِ فِي دِيَةِ النَّفْسِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ مِنْ مُسَاوَاتِهِ فِيمَا دُونَهَا مِنْ دِيَاتِ الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحِ، لِأَنَّ دِيَةَ النَّفْسِ أَغْلَظُ اعْتِبَارًا بِالْمُسْلِمِ مَعَ الْكَافِرِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مُعْتَبَرًا بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مُعْتَبَرَةً بِدِيَةٍ النَّفْسِ وَهِيَ فِيهِ عَلَى النِّصْفِ فَكَذَلِكَ فِيمَا دُونَهَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَلَمْ يُسْنِدْهُ، لِأَنَّ جَدَّهُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لَا صُحْبَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُسْنَدًا إِذَا رَوَاهُ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَلِأَنَّهُ هُوَ الصَّحَابِيُّ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: " لَمْ أَجِدْ لَهُ نَفَاذًا " يَعْنِي طَرِيقًا لِصُحْبَتِهِ.

وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَقَدْ تَكُونُ فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الرَّجُلِ فِيمَا نَقَصَ مِنَ الثُّلُثِ عِنْدِ مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ، وَإِنَّمَا سَاوَتْ وَلَدَ الْأُمِّ، لِأَنَّ الْإِدْلَاءَ فِيهِ بِالرَّحِمِ الَّذِي يُوجِبُ تَسَاوِيَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِيهِ كَفَرْضِ الْأَبَوَيْنِ، فَإِنْ تَكُنِ الْعِلَّةُ فِيهِ تَقْدِيرَهُ بِالثُّلْثِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْصُلَ اخْتِلَافٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَفِي ثَدْيَيْهَا دِيَتُهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ فِي الثَّدْيَيْنِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً فَصَارَا فِي الدِّيَةِ كَالْيَدَيْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَا كَبِيرَيْنِ أَوْ صَغِيرَيْنِ، مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ، نَزَلَ فِيهِمَا لَبَنٌ أَوْ لَمْ يَنْزِلْ، فَإِنْ قَطَعَهُمَا وَأَجَافَ مَا تَحْتَهُمَا كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِيهِمَا وَأَرْشُ جَائِفَتَيْنِ تحتهما، ولو ضربهما فاستحشفتا وَيَبِسَا حَتَّى صَارَا لَا يَأْلَمَانِ فَهَذَا شَلَلٌ، وفيها الدِّيَةُ كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ مَنَافِعَهُمَا وَإِنْ بَقِيَ الْجَمَالُ فِيهِمَا، كَمَا لَوْ أَشَلَّ يَدَهُ، وَلَوْ ضَرَبَهُمَا فَذَهَبَا مَعَ بَقَاءِ الْأَلَمِ فِيهِمَا ففيهما حكومة، ولو ضربها فَذَهَبَ لَبَنُهُمَا فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُهُ مِنَ الضَّرْبِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ فيسأل أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قَالُوا: إِنَّهُ مِنَ الضَّرْبِ كَانَ فِيهِ حُكُومَةٌ، وَإِنْ قَالُوا: مِنْ غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَوْ قَطَعَ إحدى الثَّدْيَيْنِ كَانَ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ كَإِحْدَى الْيَدَيْنِ، وكذلك لو ضربه فشل.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَفِي حَلَمَتَيْهَا دِيَتُهَا لِأَنَّ فِيهِمَا مَنْفَعَةَ الرَّضَاعِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ جَمَالَ الثَّدْيِ وَمَنْفَعَتُهُ بِالْحَلَمَةِ كَمَا أَنَّ مَنْفَعَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>