للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَإِنْ لَمْ يُفْضِهَا فَكَانَ لُزُومُهُ مَعَ إِفْضَائِهَا أَوْلَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ مَعَ دِيَةِ الْإِفْضَاءِ أرش البكارة، ويكون داخلاً في الدية، لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ حُكْمُ ابْتِدَائِهَا فِي انْتِهَائِهَا كَدُخُولِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ فِي دِيَةِ الْمَأْمُومَةِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: " لَوْ أَفْضَى ثَيِّبًا كَانَ عَلَيْهِ دِيَتُهَا " لَيْسَ بِشَرْطٍ، لِأَنَّ إِفْضَاءَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِي الدِّيَةِ سَوَاءٌ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِفْضَاءُ مِنْ وَطْءِ زِنًا فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمَوْطُوءَةِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُطَاوِعَةً أَوْ مُكْرَهَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً فَلَيْسَ لَهَا مَهْرٌ وَلَا أَرْشُ الْبَكَارَةِ، لِأَنَّهَا مُبِيحَةٌ لَهُ بِالْمُطَاوَعَةِ وَلَهَا دِيَةُ الْإِفْضَاءِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَتَجَرَّدُ عَنِ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الِافْتِضَاضِ وَذَهَابِ الْعُذْرَةِ فَصَارَتْ بِالْمُطَاوَعَةِ غَيْرَ مُبِيحَةٍ لِلْإِفْضَاءِ وَإِنْ أَبَاحَتْ ذَهَابَ الْعُذْرَةِ وَعَلَيْهَا الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً وَجَبَ لَهَا مَهْرٌ وَدِيَةُ الْإِفْضَاءِ، وَفِي وُجُوبِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ وَجْهَانِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ يَجِبُ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا يَجِبُ فِي الْآخَرِ، وَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا دُونَهَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْقُطُ عَنْهُ الْمَهْرُ مَعَ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهَا.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ حُكْمِ الْإِفْضَاءِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فِيهِ مَعَ مَا يَقْتَرِنُ بِهِ مِنَ الْأُرُوَشِ الزَّائِدَةِ فِي اسْتِرْسَالِ الْبَوْلِ وَذَهَابِ الْعُذْرَةِ فَقَدْ يَنْقَسِمُ الْإِفْضَاءُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْعَمْدِ الْمَحْضِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ صغيرة والواطء كبير الذكر يعلم أن وطء مثله يُفْضِيهَا فَهُوَ عَامِدٌ فِي الْإِفْضَاءِ [فَيَلْزَمُهُ دِيَةٌ مغلظة حالة في مالها، وَإِنْ أَفْضَى الْإِفْضَاءُ إِلَى تَلَفِهَا كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَدَخَلَتْ دِيَةُ الْإِفْضَاءِ] فِي دِيَةِ النَّفْسِ، وَكَذَلِكَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ عَمْدِ الْخَطَأِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَطْءُ مِثْلِهِ لِمِثْلِهَا يَجُوزُ أَنْ يُفْضِيَهَا وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُفْضِيَهَا، فَيَلْزَمُهُ دِيَةُ الْإِفْضَاءِ مُغَلَّظَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ إِنِ انْتَهَى الْإِفْضَاءُ إِلَى النَّفْسِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْخَطَأِ الْمَحْضِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَطْءُ مِثْلِهِ مُفْضِيًا لِلصَّغِيرَةِ وَغَيْرَ مُفْضٍ لِلْكَبِيرَةِ، فَيَطَأُ الصَّغِيرَةَ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْكَبِيرَةَ فَيُفْضِيهَا فَيَكُونُ إِفْضَاؤُهَا خَطَأً مَحْضًا، فَتَكُونُ الدِّيَةُ فِيهِ مُخَفَّفَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَهُ، وَلَا قَوَدَ فِي النَّفْسِ إِنِ انْتَهَى الْإِفْضَاءُ إِلَى التَّلَفِ، وَتَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مَعَ الدِّيَةِ، لِأَنَّ الْإِفْضَاءَ صَارَ قَتْلًا والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>