للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنِ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٌ، وَمِنِ الْفُقَهَاءِ أَبُو ثَوْرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ دِيَتَهُ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] فَلَمَّا أَطْلَقَ ذِكْرَ الدِّيَةِ فِيهَا دَلَّ عَلَى تَسَاوِيهِمَا، وَبِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ مِثْلُ نِصْفِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ " وَهَذَا نَصٌّ.

وَرَوَى مِقْسَمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ قَتَلَ كَافِرَيْنِ لَهُمَا أَمَانٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَمَانِهِمَا فَوَدَاهُمَا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ عِنْدِهِ بِدِيَةِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ.

وَلِأَنَّهُ حُرٌّ مَحْقُوقُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ دِيَتُهُ كَامِلَةً كَالْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ الْحُرَّ مَضْمُونٌ يُضْمَنُ بِالدِّيَةِ وَالْعَبْدِ يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ، فَلَمَّا كَمُلَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا وَجَبَ أَنْ تَكْمُلَ دِيَةُ الْحُرِّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ، فَلَمَّا تَمَاثَلَتِ الْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَجَبَ أَنْ يتماثل الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَلِأَنَّ الْكُفْرَ فِسْقٌ، وَالْفِسْقَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الدِّيَةِ فَكَذَلِكَ الْكُفْرُ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ قَدْ أَوْجَبَتْ حَقْنَ دَمِهِ وَحِفْظَ مَالِهِ، فَلَمَّا تَسَاوَى بِهَا الْمُسْلِمُ فِي ضَمَانِ مَالِهِ سَاوَاهُ، فِي ضَمَانِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَدَلِيلُهُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " دِيَةُ الْمُعَاهِدِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ " ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَيْسَ فِي الْأَخْبَارِ أَصَحُّ مِنْ هَذَا وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى أَنَّ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، ذَكَرَهُ رَجَاءُ بْنُ الْمُرَجَّى الْحَافِظُ، وَلِأَنَّ النَّقْصَ نَوْعَانِ أُنُوثِيَّةٌ وَكُفْرٌ، فَلَمَّا أَوْجَبَ نَقْصُ الْأُنُوثِيَّةِ إِسْقَاطَ نِصْفِ الدِّيَةِ كَذَلِكَ نَقْصُ الْكُفْرِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ دِمَاءَ الْكُفَّارِ لَا تُكَافِئُهُمْ.

وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: " وَفِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ " فَجَعَلَ الْإِيمَانَ شَرْطًا فِي كَمَالِ الدِّيَةِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَكْمُلَ بِعَدَمِهِ.

وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

<<  <  ج: ص:  >  >>