للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَضَى أَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَهَذَا نَصٌّ ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ فِي شَرْحِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: حَدِيثُ مَنْ رَوَى كَمَالَ الدِّيَةِ أَزْيَدُ وَالْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ أَوْلَى.

فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ خَبَرَنَا أَزْيَدُ لَفْظًا فَكَانَ أَوْلَى مِنْ خَبَرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَهُمَا لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ.

فَإِنْ قِيلَ: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَضَى فِي السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثَ الدِّيَةِ لِتَأْجِيلِ دِيَةِ الْخَطَأِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ قَضَاءَهُ بِأَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ دِيَتِهِ هَذَا الْقَدْرُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَدْرِهَا وَهُوَ بَعْضُهَا، عَلَى أَنَّ ثُلُثَ الدِّيَةِ عِنْدَهُمْ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ.

فَإِنْ قِيلَ: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَوَّمَ إِبِلَ الدِّيَةِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ قِيلَ: لَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُقَدَّرَ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَضَى بِالدَّرَاهِمِ وَلَمْ يَقْضِ بِهَا قَيِّمَةً عَلَى أَنَّا رُوِّينَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ثُلُثَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، فَبَطَلَ هَذَا التَّأْوِيلُ.

وَمِنِ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ مُكَلَّفٌ لَا يَكْمُلُ سَهْمُهُ مِنَ الْقِيمَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَكْمُلَ دِيَتُهُ كَالْمَرْأَةِ، وَلَا يُنْتَقَصَ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا نَقَصَتْ دِيَةُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ عَنْ دِيَةِ الرَّجُلِ لِنَقْصِهَا بِالْأُنُوثِيَّةِ، وَجَبَ أَنْ تَنْقُصَ دِيَةُ الرَّجُلِ الْكَافِرِ عَنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ لِنَقْصِهِ بِالْكُفْرِ، لِأَنَّ الدِّيَةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى التَّفَاضُلِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَثَّرَ أَغْلَظُ الْكُفْرِ وَهُوَ الرِّدَّةُ فِي إِسْقَاطِ جَمِيعِ الدِّيَةِ وَجَبَ أَنْ يُؤَثِّرَ أَخَفُّهُ فِي تَخْفِيفِ الدِّيَةِ، لِأَنَّ بَعْضَ الْجُمْلَةِ مُؤَثِّرٌ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهَا، وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأُمَّةِ فِي قَدْرِ الدِّيَةِ تُوجِبُ الْأَخْذَ بِأَقَلِّهَا كَاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ يُوجِبُ الْأَخْذَ بِقَوْلِ أَقَلِّهِمْ تَقْوِيمًا، لِأَنَّهُ الْيَقِينُ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمُطْلَقِ الدِّيَةِ فِي الْآيَةِ فَلَا يَمْنَعُ إِطْلَاقُهَا مِنِ اخْتِلَافِ مَقَادِيرِهَا، كَمَا لَمْ يَمْنَعْ مِنِ اخْتِلَافِ دِيَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَدِيَةِ الْجَنِينِ، لِأَنَّ الدِّيَةَ اسْمٌ لِمَا يُؤَدَّى مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فَتَعَارَضَتْ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى أَنَّهَا مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ فِي التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ وَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ حَتَّى لَا يَكُونَ نُقْصَانُ قَدْرِهَا مُوجِبًا لِإِسْقَاطِ حُلُولِهَا وَتَغْلِيظِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>