للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي " الْإِمْلَاءِ ". وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا ضَمَانَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَاتِ، فَإِذَا قِيلَ: بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اصْطِدَامُ الْفَارِسَيْنِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ وَإِنْ عَجَزَا عَنْ ضَبْطِ الْفَرَسَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ الْمَلَّاحَانِ وَإِنْ عَجَزَا عَنْ ضَبْطِ السَّفِينَتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ضَمَانُ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ عَلَى مَا مَضَى مِنَ التَّفْرِيطِ إِلَّا فِي الْقَوَدِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِخُرُوجِهِ عَنْ حُكْمِ الْغَيْرِ، وَيَكُونُ دِيَاتُ النُّفُوسِ مُخَفَّفَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ، لِأَنَّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ.

وَإِذَا قِيلَ: بِسُقُوطِ الضَّمَانِ فَدَلِيلُهُ أَنَّ مَا خَرَجَ عَنِ التَّعَدِّي وَالتَّفْرِيطِ فِي الْأَمَانَاتِ لَمْ يُضْمَنْ بِالْحَوَادِثِ الطَّارِقَةِ كَالْوَدَائِعِ، وَلِأَنَّ التَّلَفَ لَوْ كَانَ بِصَاعِقَةٍ لَمْ يُضْمَنْ كَذَلِكَ بِالرِّيحِ العارضة، وَخَالَفَ اصْطِدَامَ الْفَارِسَيْنِ، لِأَنَّ عِنَانَ الدَّابَّةِ بِيَدِ رَاكِبِهَا تَتَصَرَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ، فَإِنْ قَهَرَتْهُ فَلِتَفْرِيطِهِ في آله ضبطها [والريح العارضة لا يقدر على دفعها ولا يجد سبيلاً إلى ضبطها] فَافْتَرَقَا، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ النُّفُوسُ هَدَرًا.

فَأَمَّا السُّفُنُ فَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا أَوْ مُسْتَأْجَرَةً لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَعَارَةً ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْمَلَّاحَيْنِ جَمِيعَ قِيمَةِ سَفِينَتِهِ الَّتِي اسْتَعَارَهَا، لِأَنَّ الْعَارِيَةَ مَضْمُونَةٌ فِي الْأَصْلِ بِعُدْوَانٍ وَغَيْرِ عُدْوَانٍ.

وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا أَرْبَابُهَا لَمْ يَضْمَنْهَا الْمَلَّاحَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَرْبَابُهَا لَمْ يَضْمَنْ إِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا كَالْأَجِيرِ الْمُنْفَرِدِ، وَفِي ضَمَانِهِ إِنْ كَانَ مُشْتَرِكًا قَوْلَانِ كَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ:

أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ إِذَا قِيلَ إِنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرِكَ ضَامِنٌ.

وَالثَّانِي: لَا يَضْمَنُ إِذَا قِيلَ إِنِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرِكَ لَيْسَ بِضَامِنٍ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمَلَّاحَيْنِ مُنْفَرِدًا وَالْآخَرُ مُشْتَرِكًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُنْفَرِدِ، وَفِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِكِ قَوْلَانِ، وَلَوْ فَرَّطَ أَحَدُ الْمَلَّاحَيْنِ وَلَمْ يُفَرِّطِ الْآخَرُ كَانَ الْمُفَرِّطُ ضَامِنًا، وَفِي ضَمَانِ مَنْ لَمْ يُفَرِّطْ قَوْلَانِ، فَإِنْ غَرِقَتْ إِحْدَى السَّفِينَتَيْنِ وَلَمْ تَغْرَقِ الْأُخْرَى كَانَ الْحُكْمُ فِي ضَمَانِ الَّتِي غَرِقَتْ كَالْحُكْمِ فِي ضَمَانِهَا لَوْ غَرِقَا مَعًا، وَإِذَا كَانَ فِي السَّفِينَةِ مَالِكُهَا وَمَلَّاحُهَا فَإِنْ كَانَ مَالِكُهَا هُوَ الْمُرَاعِيَ لَهَا وَالْمُدَبِّرَ لِسَيْرِهَا كَانَ الضَّمَانَ إِنْ وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْمَلَّاحِ، وَإِنْ كَانَ الْمَلَّاحُ هُوَ الْمُدَبِّرَ لِسَيْرِهَا دُونَ الْمَالِكِ فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ عَلَى الْمَلَّاحِ دُونَ الْمَالِكِ.

فَلَوِ اخْتَلَفَ فِي التَّفْرِيطِ الْمَلَّاحُ وَالرُّكَّابُ فَادَّعَاهُ الرُّكَّابُ وَأَنْكَرَهُ الْمَلَّاحُ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمَلَّاحِ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِ الْأَمَانَةِ إِلَّا أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ مَعَ عَدَمِ التَّفْرِيطِ فَلَا يَكُونُ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ تَأْثِيرٌ إِلَّا فِيمَا وَقَعَ الْفَرْقُ فِي صِفَةِ ضَمَانِهِ بين التفريط وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>