للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانُوا قَدْ أَمَرُوهُ بِإِلْقَائِهِ لَمْ يَضْمَنُوا، لِأَنَّ الْمُلْقِيَ لَا يَسْتَبِيحُ الْإِلْقَاءَ بِأَمْرِهِمْ، فَصَارَ وُجُودُ أَمْرِهِمْ وَعَدَمُهُ سَوَاءً.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا سَقَطَ ضَمَانُ هَذَا الْمَالِ لِمَا فِي اسْتِهْلَاكِهِ مِنْ خَلَاصِ النُّفُوسِ كَالْفَحْلِ إِذَا صَالَ فَقَتَلَ لَمْ يُضْمَنْ.

قِيلَ: لِأَنَّ خَوْفَ الْفَحْلِ لِمَعْنًى فِيهِ فَسَقَطَ ضَمَانُهُ، وَخَوْفَ الْغَرَقِ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَالِكِ فَلَزِمَ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوِ اضْطُرَّ إِلَى أَكْلِ طَعَامِ غَيْرِهِ ضَمِنَهُ، فَإِنْ أَلْقَى مَتَاعَ نَفْسِهِ فعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: بِأَمْرِهِمْ.

وَالثَّانِي: بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ.

فَإِنْ أَلْقَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ كَانَ مُحْتَسِبًا فِي إِلْقَائِهِ لِمَا يُرْجَى مِنْ نَجَاتِهِ وَنَجَاتِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَلْقَاهُ سَبَبًا لِنَجَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِإِلْقَائِهِ، وَإِنْ أَلْقَاهُ بِأَمْرِهِمْ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضْمَنُوا لَهُ قِيمَتَهُ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَضْمَنُوهَا.

فَإِنْ لَمْ يَضْمَنُوهَا بَلْ قَالُوا أَلْقِ مَتَاعَكَ فَأَلْقَاهُ فَلَا غُرْمَ لَهُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَمَرُوهُ بِهِ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ إنَّ عَلَيْهِمْ ضَمَانَهُ وَغُرْمَهُ، لِأَنَّ الْآمِرَ كَالْفَاعِلِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ الصَّالِحِ وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ لَوْ أَمَرُوهُ بِاسْتِهْلَاكِهِ فِي غَيْرِ الْبَحْرِ لَمْ يَضْمَنُوهُ فَكَذَلِكَ فِي الْبَحْرِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ لَوْ أَمَرُوهُ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَمْ يَضْمَنُوا كَذَلِكَ بِإِلْقَاءِ مَالِهِ وَإِنْ ضَمِنُوهُ لَهُ فَقَالُوا لَهُ أَلْقِ مَتَاعَكَ وَعَلَيْنَا ضَمَانُهُ فَأَلْقَاهُ لَزِمَهُمْ ضَمَانُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يَلْزَمُهُمْ ضَمَانُهُ، لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: قَدْ ضَمِنْتُ لَكَ مَا تُدَايِنُ بِهِ فُلَانًا لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ مَا دَايَنَهُ بِهِ، لِتَقَدُّمِ ضَمَانِهِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَحْكَامَ الضَّرُورَاتِ وَعُمُومَ الْمَصَالِحِ أَوْسَعُ مِنْ أَحْكَامِ الْعُقُودِ الْخَاصَّةِ فِي الِاخْتِيَارِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: اعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ لِعِتْقِهِ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَأَمَّا ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ هَاهُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْعَاءٌ لِلِاسْتِهْلَاكِ بِشَرْطِ الْغُرْمِ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>