للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: ١٨] وقَوْله تَعَالَى: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه: ١٥] وقَوْله تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: ٣٨] أَيْ مَأْخُوذَةٌ.

وَبِمَا روي أن الحسحاس بْنَ عَمْرٍو الْعَنْبَرِيَّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنْ قَوْمِي يَجْنِي أَفَؤُآخَذُ بِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ هَذَا مِنْكَ " وَكَانَ مَعَهُ ابْنُهُ فَقَالَ: ابني أشهد به أي أعلمه قطعاً ولي بِمُسْتَلْحَقٍ فَقَالَ: " إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ " وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ فِعْلَ الْجِنَايَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجْنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنْ لَا يُؤَاخَذَ بِجِنَايَتِكَ وَلَا تُؤَاخَذَ بِجِنَايَتِهِ.

وَرَوَى أَيَادُ بْنُ لَقِيطٍ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَ أَبِي فَرَأَى الَّتِي فِي ظَهْرِهِ فَقَالَ لَهُ أَبِي: دَعْنِي أُعَالِجْهَا فَإِنِّي طَبِيبٌ، فَقَالَ: " أَنْتَ رَفِيقٌ وَاللَّهُ الطَّبِيبُ "، مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: ابْنِي أَشْهَدُ بِهِ فَقَالَ: " أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ".

وَرَوَى الْحَكَمُ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، لَا يُؤْخَذُ الْأَبُ بِجَرِيرَةِ ابْنِهِ " وَهَذَا نَصٌّ.

قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَحَمَّلِ الْعَاقِلَةُ قِيَمَ الْأَمْوَالِ لَمْ يَتَحَمَّلْ دِيَةَ النُّفُوسِ، وَلِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَوْ تَحَمَّلَتْ دِيَةَ الْخَطَأِ لَتَحَمَّلَتْ دِيَةَ الْعَمْدِ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ عُقُوبَةٌ فَلَمْ تَتَحَمَّلْهَا الْعَاقِلَةُ كَالْقَوَدِ، وَلِأَنَّ لِقَتْلِ الْخَطَأِ مُوَجِبَيْنِ: الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ، فَلَمَّا لَمْ تَتَحَمَّلِ الْعَاقِلَةُ الْكَفَّارَةَ لَمْ تَتَحَمَّلِ الدِّيَةَ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ الدِّيَةَ قَوْلُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَتَحَمُّلُ الْعَاقِلَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا.

وَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ بَنِي هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرَثَتِهَا ولدها ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>