للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باقيها، فتفض عَلَى مَا احْتَمَلُوا مِنْهَا، وَيُنْقَلُ مَا عَجَزُوا عَنْهُ إِلَى الْمَوَالِي، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَإِلَى بَيْتِ الْمَالِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَنْقُصَ الدِّيَةُ عَنْ عَدَدِهِمْ وَيُمْكِنَ أَنْ تَنْقُصَ عَلَى بَعْضِهِمْ، لِأَنَّهَا تَتَقَسَّطُ عَلَى مِائَةِ رَجُلٍ وَهُمْ مِائَتَانِ ففيه قولان:

أحدهما: أنها تقضى عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَوْ تَحَمَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِيرَاطًا، وَلَا يُخَصُّ بِهَا بَعْضُهُمْ لِاسْتِوَاءِ جَمِيعِهِمْ فيها.

والقول الثاني: أنها تقضى عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ جَمِيعِهِمْ وَيُخَصُّ بِهَا مِنْهُمُ الْعَدَدُ الَّذِي يُرَافِقُ تَحَمُّلَهَا، وَيَكُونُ مَنِ اسْتَغْنَى عَنْهُ خَارِجًا مِنْهَا، وَيَكُونُ الْحَاكِمُ مُخَيَّرًا فِي فَضِّهَا عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ بِوَاجِبٍ وَتُتْرَكُ بِعَفْوٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَفُضَّهَا عَلَى مَنْ كَانَ أَسْرَعَ إِجَابَةً إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا خَصَّ بِهَا بَعْضَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّرَ مَا يَتَحَمَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَجُزِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لم يَجُزِ النُّقْصَانُ مِنْهُ، وَنَقَلَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ تَعْلِيلَ هَذَا الْقَوْلِ فِي أَخْذِهَا مِنْ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، لِأَنَّ الْعَقْلَ لَزِمَ الْكُلَّ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا نَقَلَهُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ هَلْ وَهِمَ فِيهِ أَوْ سَلِمَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ وَهُوَ تَعْلِيلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ سَلِمَ فِيهِ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا اخْتَلَفُوا هَلْ حَصَلَ فِي النَّقْلِ عَنْهُ سَهْوٌ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَا حَصَلَ فِيهِ سَهْوٌ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ، لِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، لِأَنَّ العقل لزم الكل، فإن أُخِذَ مِنْ بَعْضِهِمْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْعَقْلِ فَجَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي اللُّزُومِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَدْ حَصَلَ فِي النَّقْلِ عَنْهُ سَهْوٌ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَحْذُوفِ بِالسَّهْوِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ لَا يَأْخُذُهَا مِنْ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، لِأَنَّ الْعَقْلَ لَزِمَ الْكُلَّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَسَهَا النَّاقِلُ عَنْهُ فَحَذَفَ " لَا " فَصَارَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ يَأْخُذُهَا مِنْ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، لِأَنَّ الْعَقْلَ لَزِمَ الْكُلَّ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي إِنْ لَمْ يَلْزَمِ الْكُلَّ إِذَا أَخَذَهَا مِنَ الْبَعْضِ فَسَهَا النَّاقِلُ عَنْهُ فِي حَذْفِ الْأَلِفِ الَّتِي أَسْقَطَهَا مِنْ " لَا أَنْ " حِينَ نَقلَ لِأَنَّ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْحَالُ الثَّانِيَةُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ عَاقِلَتِهِ غُيَّبًا عَنْ بَلَدِهِ كَأَنَّهُ جَنَى بِمَكَّةَ وَعَاقِلَتُهُ الشَّامُ، فَعَلَى حَاكِمِ مَكَّةَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى حَاكِمٍ بِالشَّامِ حَتَّى يَفُضَّهَا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>