للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(باب عقل الحلفاء)]

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَعْقِلُ الْحَلِيفُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَضَى بِذَلِكَ خَبَرٌ وَلَا الْعَدِيدُ وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُوَرَّثُ إِنَّمَا يَعْقِلُ بِالنَّسَبِ أَوِ الْوَلَاءِ الَّذِي كَالنَّسَبِ وَمِيرَاثُ الْحَلِيفِ وَالْعَقْلُ عَنْهُ مَنْسُوخٌ وَإِنَمَا يَثْبُتُ مِنَ الْحلفِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَةُ وَالْيَدُ وَاحِدَةً لَا غَيْرَ ذَلِكَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ كَانَ التَّوَارُثُ وَالْعَقْلُ مُعْتَبَرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ:

بِالنَّسَبِ، وَالْوَلَاءِ، وَالْحِلْفِ، وَالْعَدِيدِ، وَالْمُوَالَاةِ.

فَأَمَّا النَّسَبُ، وَالْوَلَاءُ: فَقَدِ اسْتَقَرَّ الْإِسْلَامُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ وَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ بِهِمَا.

وَأَمَّا الْحِلْفُ: فَهُوَ أَنْ تَتَحَالَفَ الْقَبِيلَتَانِ عِنْدَ اسْتِطَالَةِ أَعْدَائِهَا عَلَى التَّنَاصُرِ وَالتَّظَافُرِ لِتَمْتَزِجَ أَنْسَابُهُمْ وَيَكُونُوا يَدًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ فَيَتَوَارَثُونَ وَيَتَعَاقَلُونَ، أَوْ يَتَحَالَفُ الرَّجُلَانِ عَلَى ذَلِكَ فَيَصِيرَا كَالْمُتَنَاسِبَيْنِ فِي التَّنَاصُرِ وَالتَّوَارُثِ وَالْعَقْلِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حِلْفِ الْمُطَيَّبِينَ حِينَ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ قَبَائِلُ قُرَيْشٍ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ عَلَى نُصْرَةِ الْمَظْلُومِ، وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ، وَمَعُونَةِ الْحَجِيجِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنَا مِنْ حِلْفِ الْمُطَيَّبِينَ، وَمَا زَادَهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً وَمَا يَسُرُّنِي بِحَلِّهِ حُمرُ النَّعَمِ ".

وَفِيهِ تَوَارَثَ الْمُسْلِمُونَ بِالْحِلْفِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: ٣٣] ثُمَّ نُسِخَ التوارث بالحلف بقوله تعالى: {وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥] .

فَأَمَّا تَحَمُّلُ الْعَقْلِ بِالْحِلْفِ فَالَّذِي عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْحُلَفَاءَ يتعاقلون إلا أن يكونوا متناسبين فيتعاقلون [بالنسب دون الحلف.

وحكي عن مالك بن أنس ومحمد بن الحسن أن الحلفاء يتعاقلون] بِالْحِلْفِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاسَبُوا اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " ثَمَّ أَنْتُمْ يَا خُزَاعَةُ قَدْ قتلتم

<<  <  ج: ص:  >  >>