للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِهِمْ كَمَا يَكُونُ مِيرَاثُهُ لَوْ مَاتَ لَهُمْ لِمَا يَجْمَعُهُمْ مِنْ وَلَايَةِ الدِّينِ كَمَا يَعْقِلُ عَنْهُ مَوَالِيهِ لِمَا يَجْمَعُهُمْ مِنْ وَلَايَةِ الْوَلَاءِ.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنِ انْتَسَبَ إِلَى نَسَبٍ فَهُوَ مِنْهُ إِلَّا أَنْ تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلَا يُدْفَعُ نَسَبٌ بِالسَّمَاعِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ وَطَائِفَةٍ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى دَعْوَى النَّسَبِ الْخَاصِّ وَهُوَ الْوَاحِدُ يَدَّعِي أَبًا فَيَقُولُ: أَنَا ابْنُ فُلَانٍ، فَإِنِ اعْتَرَفَ لَهُ بِالْأُبُوَّةِ ثَبَتَ نَسَبُهُ أَوْ يَدَّعِي الْوَاحِدُ ابْنًا فَيَقُولُ: هَذَا ابْنِي، فَإِنِ اعْتَرَفَ لَهُ بِالْبُنُوَّةِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَ جَمِيعُ مَنْ نَاسَبَهُمَا عَوَاقِلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا ادَّعَاهُ رَجُلٌ أَقَرَّ أَنَّهُ وَلَدُهُ لَمْ يُقْبَلْ دَعْوَاهُ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِالْأَوَّلِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ، لِأَنَّ لُحُوقَ الْبَيِّنَةِ بِالْفِرَاشِ أَقْوَى مِنْ لُحُوقِهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَلَوْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ لَهُ بِأَنَّهُ ابْنُهُ وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِالْفِرَاشِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِنَسَبِهِ وَكَانَ لَاحِقًا بِالْأَوَّلِ، سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْوَلَدُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ؛ لِأَنَّ لُحُوقَهُ بِالْأَوَّلِ يَمْنَعُ مِنْ نَفْيِهِ عَنْهُ إِلَّا بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ زِيَادَةُ قُوَّةٍ إِلَّا أَنْ تَشْهَدَ بِالْفِرَاشِ وَإِلَّا فَشَهَادَتُهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى السَّمَاعِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: " لَا يُدْفَعُ نَسَبٌ بِالسَّمَاعِ " فَهَذَا حُكْمُ تَأْوِيلِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَول.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى دَعْوَى النَّسَبِ الْعَامِّ: وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ أَنَّهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَقُرَيْشٌ تَسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا تُنْكِرُهُ، أَوْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنُو هَاشِمٍ يَسْمَعُونَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ فَيُحْكَمُ بِنَسَبِهِ فِيهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَى دَعْوَى نَسَبِهِمْ وَبِمِثْلِ هَذَا تَثْبُتُ أَكْثَرُ الْأَنْسَابِ الْعَامَّةِ، فَإِنْ تَجَرَّدَ مَنْ أَنْكَرَ نَسَبَهُ وَنَفَاهُ عَنْهُمْ، وَقَالَ: لَسْتَ مِنْهُمْ لَمْ يُقْبَلْ نَفْيُهُ لَهُ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مُجَرَّدِ النَّفْيِ لَا تَصِحُّ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا شَاعَ هَذَا الْقَوْلُ وَذَاعَ حَكَمْتُ بِهِ وَنَفَيْتُهُ عَنْهُمْ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ انْتِشَارَ الْقَوْلِ مَحْكُومٌ بِهِ فِي ثُبُوتِ الْأَنْسَابِ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِهِ فِي نَفْيِهَا، لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمُنْتَشِرَ فِي الْأَنْسَابِ كَالْبَيِّنَةِ، وَالْبَيِّنَةُ تُسْمَعُ مِنَ النَّسَبِ وَلَا تُسْمَعُ عَلَى مُجَرَّدِ النَّفْيِ فَكَذَلِكَ شَائِعُ الْخَبَرِ، وَيَكُونُ عَلَى لُحُوقِهِ بِهِمْ حَتَّى تَشْهَدَ بَيِّنَتُهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِمْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَحَدِهِمْ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بِالسَّمَاعِ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِمْ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِهِمْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: " وَلَا يُدْفَعُ نَسَبٌ بِالسَّمَاعِ " وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا حَكَمْنَا عَلَى أَهْلِ الْعَهْدِ أَلْزَمْنَا عَوَاقِلَهُمُ الَّذِينَ تَجْرِي أَحْكَامُنَا عَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ حَرْبٍ لَا يَجْرِي حُكْمُنَا عَلَيْهِمْ أَلْزَمْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>