للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ الذِّكْرِ أَصْلُهُ إِذَا كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا، فَإِنْ قِيلَ: اعْتِبَارُكُمْ حُكْمَ الْعَامِدِ بِالنَّاسِي مَعَ فَرْقِ الْأُصُولِ بَيْنَهُمَا وَتَخْفِيفُ حُكْمِ النِّسْيَانِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ سَهْوَ الْكَلَامِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَعَمْدَهُ يُبْطِلُهَا، وَعَمْدَ الْأَكْلِ يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَنِسْيَانُهُ لَا يُبْطِلُهُ، قَبْلَ اعْتِبَارِهِمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ جَائِزٍ، فَأَمَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَوَى حُكْمُ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ مَعًا فَلَا يَمْنَعُ، وَقَدِ اسْتَوَى الْحُكْمُ فِيهِمَا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ فَكَذَلِكَ فِي الْفَرْعِ، وَلِأَنَّهَا صَلَوَاتٌ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ التَّرْتِيبُ فِيهَا أَصْلُهُ إِذَا فَاتَهُ سِتُّ صَلَوَاتٍ فَصَاعِدًا، وَلِأَنَّ كُلَّمَا لَمْ يُرَتَّبْ قَضَاؤُهُ عَلَى قِلَّتِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، أَوْ تَقُولُ كُلُّ صَلَاةٍ صَارَتْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ قَضَاءً لَمْ تَتَرَتَّبْ قِيَاسًا عَلَى ما زاد على اليوم والليل، وَلِأَنَّ كُلَّ عِبَادَتَيْنِ تَقَدَّمَ وَقْتُ وُجُوبِهِمَا لَمْ يتعين عليه تقديم إحديهما كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ إِذَا ضَاقَ وَقْتُ أداء الثانية سقط الترتيب فيهما فوجب إذ ثَبَتَا فِي الذِّمَّةِ أَنْ يَسْقُطَ التَّرْتِيبُ فِيهِمَا، أَصْلُهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَيْنِ، وَلِأَنَّ التَّرْتِيبَ مُعْتَبَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ، وَمِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ بِفَوَاتِ وَقْتٍ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَثَبَتَ مَا اعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ كَصَوْمِ الظِّهَارِ، وَإِنْ كَانَ الصَّلَاةُ فَلَا يُقَدَّمُ سُجُودٌ عَلَى رُكُوعٍ ثُمَّ وَجَدْنَا تَرْتِيبَ الصَّلَوَاتِ مِنْ حيث الزمان فاقتضى أن يسقط بقوات وَقْتِهَا

وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَنْ نَامَ عَنْ صلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا. . " - الْحَدِيثَ - فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِعَيْنِ وَقْتِ الْفَائِتَةِ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهَا وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهَا فِي وَقْتِ الذِّكْرِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِينَ نَامَ عَنِ الصَّلَاةِ بِالْوَادِي فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى أَصَابَهُ حَرُّ الشَّمْسِ قَالَ: " اخْرُجُوا مِنْ هَذَا الْوَادِي " فَلَمَّا خَرَجَ قَضَاهَا وَكَانَ قَادِرًا عَلَى قَضَائِهَا فِيهِ عِنْدَ اسْتِيقَاظِهِ فَأَخَّرَهَا، فَهَذَا جَوَابٌ

ثُمَّ الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ فِي ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ فَوَائِتَ كَانَ ذَلِكَ وَقْتًا لَهَا، وَكُلُّ صَلَاةٍ مِنْهَا قَدْ يُسْتَحَقُّ قَضَاؤُهَا فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ إِتْيَانُهُ بِالْأُولَى قَبْلَ الْفَائِتَةِ بِأَوْلَى مِنَ الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْأُولَى لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا تَعَلُّقُهُمْ بِحَدِيثِ الْخَنْدَقِ فَفِيهِ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخَّرَ الصَّلَاةَ ذَاكِرًا لِوَقْتِهَا قَاصِدًا لِلْجَمْعِ بَيْنَهَا إِذَا انْكَشَفَ عَدُوُّهُ وَزَالَ خَوْفُهُ فَلَزِمَهُ التَّرْتِيبُ كالجامع بين الصلاتين في وقت أحديهما

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنْسُوخٌ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ وَبِالْمُبَادَرَةِ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ حَسَبَ الطَّاقَةِ وَالْإِمْكَانِ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ مَعَ ثُبُوتِ نَسْخِهِ وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ بَيَانٌ مُجْمَلٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {أَقِيمُوا الصلاة} غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الصَّلَاةَ اسْمٌ لِلْأَفْعَالِ دُونَ الْأَوْقَاتِ فَتَوَجَّهَ الْبَيَانُ إِلَى الْفِعْلِ الْمُجْمَلِ دُونَ الْوَقْتِ

وَأَمَّا تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا صَلَاةَ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ " مَعَ ضَعْفِهِ وَاضْطِرَابِهِ وَإِنْكَارِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَهُ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ هَذَا حَدِيثُ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وتعذر

<<  <  ج: ص:  >  >>