للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

: وَأَمَّا قَوْلُهُ: " مِنْ عِلْمِ الشَّافِعِيِّ " فَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَقَالُوا: عِلْمُ الشَّافِعِيِّ لَا يُمْكِنُهُ اخْتِصَارُهُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُضْمَرٌ فِي النَّفْسِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْعِلْمَ عَرَضٌ، وَالْعُرُوضُ يَسْتَحِيلُ اخْتِصَارُهَا. وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ فَاسِدٌ بِمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ مُرَادِ الْمُزَنِيِّ بِهِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِهِ، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَرَادَ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ فَعَبَّرَ بِالْعِلْمِ عَنِ الْكُتُبِ، لِأَنَّهُ قَدْ يُوصَلُ بِهَا إِلَى الْعِلْمِ كَمَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: {هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام: ٤٨] ، أَيْ مِنْ كِتَابٍ، وقال أبو علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ: أَرَادَ مِنْ مَعْلُومِ الشَّافِعِيِّ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْعِلْمِ، لِأَنَّهُ حَادِثٌ عَلَى الْعِلْمِ كَمَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا يحيطون بشيء من علمه} ، أَيْ مِنْ مَعْلُومِهِ، وَمَعْلُومُ الشَّافِعِيِّ مَا أُخِذَ عنه قولا ورسما.

[فصل: اعتراض ورد]

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ " فَقَدِ اعْتَرَضَ فِيهِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَقَالُوا: الْمَعْنَى هُوَ صِفَةُ الْحُكْمِ وَاخْتِصَارُهُ مُبْطِلٌ لَهُ. وَهَذَا جَهْلٌ بِمَقْصُودِ الْكَلَامِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِ الْمُزَنِيِّ بِمَا اخْتَصَرَهُ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ اخْتِصَارَ الْمَعْنَى هُوَ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ بِأَوْجَزِ لَفْظٍ، وَأَخْصَرِ كَلَامٍ. وَقَدْ أَفْصَحَ الْمُزَنِيُّ بِهَذَا فِي أَوَّلِ جَامِعِهِ الْكَبِيرِ فَقَالَ: وَلَيْسَ اخْتِصَارُ الْمَعَانِي هُوَ تَرْكُ بَعْضِهَا وَالْإِتْيَانُ بِالْبَعْضِ، وَلَكِنِ الْإِتْيَانُ بِالْمَعَانِي بِأَلْفَاظٍ مُخْتَصَرَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>