للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّانِي: إِنَّ نُكُولَهُ فِي غَيْرِ الْقَسَامَةِ لَمَّا لم يوجب حبسه. لنفس الْإِجْبَارِ عَنِ الْأَيْمَانِ، فَنُكُولُهُ فِي الْقَسَامَةِ أَوْلَى لِأَنَّ الْأَيْمَانَ فِيهَا أَكْثَرُ وَالتَّغْلِيظُ فِيهَا أَشَدُّ وقوله: " إن الأيمان هي نفس الحق) فليس صحيح لِأَنَّ الْأَيْمَانَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَإِسْقَاطِ الدَّعَاوَى وَلَوْ كَانَتْ نَفْسَ الْحَقِّ لَمَا جَازَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمُ الدِّيَةَ إِذَا اعْتَرَفُوا وَحُكْمُهُمْ فِي الِاعْتِرَافِ أَغْلَظُ مِنَ الْجُحُودِ.

(فَصْلٌ)

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الدَّعْوَى لَوْثٌ فَتَسْقُطُ لِعَدَمِ اللَّوْثِ الْبِدَايَةُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي لِضَعْفِ سَبَبِهِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، وَفِي تَغْلِيظِهَا بِالْعَدَدِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَ الْمُزَنِيُّ إِنَّهَا لَا تُغَلَّظُ بِالْعَدَدِ ويستحق فيها بيمين واحدة يحلف به المدعى عليه على انكاره؛ لأن لما سقط لعدم اللوث تغليظ الْقَسَامَةُ فِي الِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي سَقَطَ تَغْلِيظُهَا بِعَدَدِ الْأَيْمَانِ جَمْعًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الدَّعَاوَى فِي الْأَمْرَيْنِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تُغَلَّظُ بِالْعَدَدِ فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا، تَغْلِيظًا لِحُرْمَةِ النَّفْسِ، كَمَا تُغَلَّظُ بِالْكَفَّارَةِ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ. فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاحِدًا حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْخَمْسِينَ مُقَسَّطَةٌ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ الرُّؤُوسِ.

فَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ أَيْمَانٍ، وَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً حَلَفَ كُلُّ واحد منهم خمسة أيمان، فإن حلفوا برئوا وَإِنْ نَكَلُوا رُدَّتِ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعِي وَهَلْ تُغَلَّظُ بِالْعَدَدِ إِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. أَحَدُهُمَا: لَا تُغَلَّظُ وَيَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً. وَيَسْتَحِقُّ دَمَ صَاحِبِهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.

وَالثَّانِي: تُغَلَّظُ بِالْعَدَدِ فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا حَلَفَ جَمِيعَهَا وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَعَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهَا تُقَسَّطُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ بِجَبْرِ الْكَسْرِ. فَإِذَا حَلَفُوا حُكِمَ لَهُمْ بِدَمِ صَاحِبِهِمْ، وَاسْتَحَقُّوا الْقَوَدَ فِي الْعَمْدِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ أَيْمَانَهُمْ بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَجْرِي مَجْرَى إِقْرَارِهِ، فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَمَجْرَى الْبَيِّنَةِ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>