للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا فِي الصَّلَاةِ لَكَانَ لَهُ بَدَلٌ يَرْجِعُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ كَالْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَدَلٌ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَالتَّسْبِيحِ، وَهَذَا غَلَطٌ

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ غَيْرَ اللِّبَاسِ لَا يَجِبُ فَثَبَتَ وُجُوبُ اللِّبَاسِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {عِنْدَ كل مسجد} وَالْمَسْجِدُ يُسَمَّى صَلَاةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: ٤٠] يعني: مساجد

فإذا قِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الطَّوَافِ، وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مسجد} فَوَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى سَبَبِهَا قِيلَ عُمُومُ اللَّفْظِ يَشْتَمِلُ عَلَى الطَّوَافِ، وَالصَّلَاةِ فَلَا اعْتِبَارَ بِالسَّبَبِ الْخَاصِّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِذَلِكَ فِي الطَّوَافِ كَانَ الْأَمْرُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ يُسَمَّى صَلَاةً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الطواف صلاة "

وروي عن سلمة بن الأكواع قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَخْرُجُ إِلَى الصَّيْدِ وَأُصَلِّي وَلَيْسَ عَلَيَّ إِلَّا قَمِيصٌ واحد، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " زُرَّهُ عَلَيْكَ، أَوِ ارْبِطْهُ بِشَوْكَةٍ " فَأَمَرَهُ بِزَرِّهِ خَوْفًا مِنْ ظُهُورِ عَوْرَتِهِ فِي رُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ سُتْرَتِهَا

وَرَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا، ومن لم يكن معه إلا ثوب واحد فَلْيَتَّزِرْ بِهِ "

وَرَوَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرَأَةٍ حَاضَتْ إِلَّا بِخِمَارٍ " أَيْ: بَلَغَتْ حَالَ الْحَيْضِ

وَرُوِيَ " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرَأَةٍ تَحِيضُ إِلَّا بِخِمَارٍ "

وَأَمَّا قَوْلُهُ لِمَا كَانَ وَاجِبًا لِغَيْرِ الصَّلَاةِ لَمْ يَجِبْ لِلصَّلَاةِ

فَالْجَوَابُ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَوَارَى بِمَا يُحِيلُ بَيْنَ عَوْرَتِهِ وَعُيُونِ النَّاسِ فَإِنْ تَوَارَى بِجِدَارٍ، أَوْ دَخَلَ بَيْتًا جَازَ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ هَذَا السُّؤَالُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وجوبها لغير الصَّلَاةِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>