للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي، لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ فِي جَمِيعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَمَا بَطَلَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ رُدَّتْ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَكِنْ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَ أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدٍ وَرَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلَ أَبِي زَيْدُ بْنُ عَامِرٍ وَرَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ فَهَذَا خِلَافٌ لِمَا مَضَى لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا هُوَ الَّذِي عَرَفَهُ الْآخَرُ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْقَسَامَةِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا اتَّفَقَ الْأَخَوَانِ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى اثْنَيْنِ، فَقَالَ: أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدٍ وَرَجُلٌ آخَرُ لَا أَعْرِفُهُ، وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ عَامِرٍ وَرَجُلٌ آخر لا أعرفه، فليس في هذا الدَّعْوَى تَكَاذُبٌ، وَلَا يَبْطُلُ اللَّوْثُ بِهَذَا الِاخْتِلَافِ وَلَا يَمْنَعُ مِنَ الْقَسَامَةِ، لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَالِدٍ قَدْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْرِفَ زَيْدَ بْنَ عَامِرٍ وَلَا مَنْ عَرَفَ زَيْدَ بْنَ عَامِرٍ قَدْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْرِفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَالِدٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي جَهْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْ عرفه الآخر تكذيب للآخر، فَيَجُوزُ أَنْ يُقْسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَنْ عَرَفَهُ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ رُبْعَ الدِّيَةِ، لِأَنَّ مَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَاتِلَيْنِ مُسْتَحَقٌّ لِلْأَخَوَيْنِ، فَكَانَ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَخَوَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَاتِلَيْنَ رُبْعُ الدِّيَةِ، وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَخَوَيْنِ خَمْسِينَ يَمِينًا قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُمَا قَدِ افْتَرَقَا فِي الدَّعْوَى، فَلَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى الْأَيْمَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ الْأَوَّلُ قَدْ عَرَفْتُ زَيْدًا وَلَيْسَ بِالَّذِي قَتَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ الْآخَرُ قَدْ عَرَفْتُ عَبْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ بِالَّذِي قَتَلَ مع زيد ففيها قولان أحدهما أن يكون لكل واحد القسامة على الذي ادعى عليه ويأخذ حصته من الدية، والقول الثاني أنه ليس لواحد منهما أن يقسم حتى تجتمع دعواهما على واحد (قال المزني) قد قطع بالقول الأول في الباب الذي قبل هذا وهو أقيس على أصله لأن الشريكين عنده في الدم يحلفان مع السبب كالشريكين عنده في المال يحلفان مع الشاهد فإذا أكذب أحد الشريكين صاحبه في الحق حلف صاحبه مع الشاهد واستحق وكذلك إذا أكذب أحد الشريكين صاحبه في الدم حلف صاحبه مع السبب واستحق) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمَا تَكَاذُبٌ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ الْآخَرُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ هَذَا التَّكَاذُبِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَسَامَةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَسَامَةِ، فَفِي إِبْطَالِ اللَّوْثِ بِهِ قَوْلَانِ: عَلَى مَا مَضَى، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَسَامَةِ وَالْحُكْمِ بِالدِّيَةِ لَمْ يَقْدَحْ فِي اللَّوْثِ وَلَمْ يُنْقَضْ بِهِ مَا تقدم من الحكم، ويعكس

<<  <  ج: ص:  >  >>