للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضُ أَصْحَابِهِ بَيْنَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِعْرَابِ فِي كَلَامِهِ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فَجَعَلَهَا مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَمِينًا، لِأَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ اللَّحْنِ وَالْإِعْرَابِ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ.

وَلَمْ يَجْعَلْهَا فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَمِينًا لِأَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ اللَّحْنِ وَالْإِعْرَابِ، وَلَا يَتَلَفَّظُونَ بِالْكَلِمَةِ إِلَّا عَلَى مَوْضِعِهَا فِي اللُّغَةِ، فَلَا يَجْعَلُونَ مَا خَرَجَ عَنْ إِعْرَابِ الْقَسَمِ قَسَمًا.

فَأَمَّا إِنْ حُذِفَ حَرْفُ الْقَسَمِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَمِينًا فِي عُمُومِ النَّاسِ كُلِّهِمْ سَوَاءٌ ذَكَرَ الِاسْمَ مَرْفُوعًا أَوْ مَجْرُورًا أَوْ مَنْصُوبًا وَعَلَى قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَعَلَهَا بِالنَّصْبِ فِي أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَمِينًا لِأَنَّهُمْ إِذَا حَذَفُوا حَرْفَ الْجَرِّ نَصَبُوا فَصَارَ النَّصْبُ عِوَضًا عَنْ حَرْفِ الْقَسَمِ فَصَارَتْ فِيهِمْ يَمِينًا دُونَ غَيْرِهِمْ فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ الْمَخْلُوقُونَ فِيهَا كَالرَّحْمَنِ فَيَمِينُهُ بِهِ كَيَمِينِهِ بِاللَّهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا كَانَ مُشْتَرِكًا بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادِهِ كَالرَّحِيمِ: فَلَا يَصِحُّ يَمِينُهُ بِانْفِرَادِهِ حَتَّى يُضَافَ إِلَى صِفَةٍ لَا يُشَارِكُهُ الْمَخْلُوقُونَ فِيهَا.

وَأَمَّا يَمِينُهُ بِصِفَاتِ ذَاتِهِ فَكَقَوْلِهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ فَيَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ مَعَ قِدَمِهِ فَأَمَّا صِفَاتُ أَفْعَالِهِ فَكَقَوْلِهِ وَخَلْقِ اللَّهِ، وَرِزْقِ اللَّهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لِحُدُوثِهَا فَصَارَ كَيَمِينِهِ بِالْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي لَا يَلْزَمُ الْقَسَمُ بِهَا فَإِذَا صَحَّ مَا يُقْسَمُ بِهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ وَصِفَاتِ ذَاتِهِ دُونَ صِفَاتِ أَفْعَالِهِ، فَالْأَوْلَى بِالْحَاكِمِ أَنْ يَضُمَّ إِلَى اسْمِهِ فِي الْيَمِينِ مِنْ صِفَاتِهِ مَا يَكُونُ أَغْلَظَ لِلْيَمِينِ وَأَرْهَبَ لِلْحَالِفِ.

وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ لَا إله غيره لأن في الأول إثبات لِإِلَهِيَّتِهِ وَنَفْيًا لِإِلَهِيَّةِ غَيْرِهِ.

وَالثَّانِي: مَقْصُورٌ عَلَى نفي إلاهية غَيْرِهِ ثُمَّ أَكَّدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ، الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ - وَهَذِهِ صِفَةٌ تَخْتَصُّ بِاللَّهِ تَعَالَى دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنْ ذَكَرَ الْحَالِفُ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ الَّتِي أُحْلِفَ بِهَا كَانَ تَأْكِيدًا لَهَا وَإِنِ اقْتَصَرَ فِي الْيَمِينِ عَلَى اسْمِهِ فَأُحْلِفَهُ: وَاللَّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ صِفَاتِ التَّأْكِيدِ شَيْئًا، أَجَزَأَتِ الْيَمِينُ، لِأَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اقْتَصَرَ فِي إِحْلَافِ رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَلَمْ يُغَلِّظْهَا بِالصِّفَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي: وَهُوَ تَعْيِينُ الْقَاتِلِ، فَلِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَالْحَكَمَ مُتَوَجِّهٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا، عَيْنَهُ بِالِاسْمِ وَالْإِشَارَةِ فَقَالَ: بِاللَّهِ لَقَدْ قَتَلَ فَلَانُ بْنُ فُلَانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>