للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْتِ فَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةُ غَيْرِهِمَا بِحَيَاتِهِ، وَيَنْتَفِي عَنْهُ حُكْمُ الْقَتْلِ، وَيُعَزَّرُ أَدَبًا عَلَى قَطْعِ ميت لانتهاك حرمته.

والحالة الثَّالِثَةُ: أَنْ يَجْهَلَا حَالَهُ عِنْدَ قَطْعِهِ، فَلَا يَشْهَدَا بِحَيَاتِهِ وَلَا مَوْتِهِ، فَإِنْ تَصَادَقَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى حَيَاةٍ أَوْ مَوْتٍ عُمِلَ عَلَى تُصَادُقِهِمَا، وَإِنْ تَنَازَعَا فَقَالَ الْمُدَّعِي كَانَ حَيًّا، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ مَيِّتًا كُلِّفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ، فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِحَيَاتِهِ عِنْدَ قَطْعِهِ حُكِمَ بِهَا، وَأُجْرِيَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْقَتْلِ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِمَوْتِهِ عِنْدَ قَطْعِهِ حُكِمَ بِهَا وَبَرِئَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الْقَتْلِ.

وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِالْحَيَاةِ، وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِالْمَوْتِ: فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُحْكَمُ بِبَيِّنَةِ الْمَوْتِ، لِأَنَّهَا أَزْيَدُ عِلْمًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُمَا مُتَعَارِضَانِ؛ لِأَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُمَا تَقْطَعُ بِإِثْبَاتِ مَا نَفَتْهُ الْأُخْرَى وَلَمْ يَكُنْ فِي إِحْدَاهُمَا مَعَ الْقَطْعِ بِالشَّهَادَةِ زِيَادَةُ عِلْمٍ، فَأَمَّا إِنْ أَقَامَ عَلَى الدَّعْوَى وَعَدِمَا الْبَيِّنَةَ، فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا عِنْدَ قَطْعِهِ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ قَتْلِهِ إِنْ حَلَفَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَصَارَ كَمَا لَوِ ادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ سِرَايَةِ جِرَاحَتِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ جِرَاحَتِهِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي دُونَ الْوَلِيِّ اعْتِبَارًا بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَتَفَرَّدَ الرَّبِيعُ بِنَقْلِهِ.

وَقَالَ بَعْدَ رِوَايَةِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا عِنْدَ قَطْعِهِ وَيُؤْخَذُ الْقَاطِعُ بِحُكْمِ قَطْعِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ حَتَّى يُعْلَمَ زَوَالُهَا عِنْدَ الْقَطْعِ، وَالْيَقِينُ، وَالشَّكُّ إِذَا تَعَارَضَا سَقَطَ حُكْمُ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ، كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ، أَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ دَعْوَى الْمَوْتِ وَدَعْوَى السِّرَايَةِ أَنَّ الْوَلِيَّ مُسْتَأْنِفٌ لِدَعْوَى السِّرَايَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ قوله فيها، والجانب هاهنا مُسْتَأْنِفٌ لِدَعْوَى الْمَوْتِ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِيهَا والله أعلم بالصواب.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَفَا الْقَوَدَ وَالْمَالَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى الْقَوَدِ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَأُحْلِفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَا عَفَا الْمَالَ وَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنَ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ حَلَفَ الْقَاتِلُ مَعَ شَهَادَتِهِ لَقَدْ عَفَا عَنْهُ الْقِصَاصَ وَالْمَالَ وَبَرِئَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنَ الدِّيَةِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>