للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاتِلُ عَلَى الْعَفْوِ، وَكَانَتْ بَيِّنَةً تَامَّةً فِي الإبراء. وفي صفة يمين القاتل هاهنا مَعَ شَاهِدِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْأُمِّ، وَقَالَهُ أَبُو إِسْحَاقُ الْمَرْوَزِيُّ يَحْلِفُ لَقَدْ عَفَا عَنِ الدِّيَةِ، وَلَا يَذْكُرُ أَنَّهُ عَفَا عَنِ الْقَوَدِ، لِسُقُوطِ الْقَوَدِ بِإِقْرَارِ الْأَخِ دُونَ شَهَادَتِهِ، وَكَمَا يَحْلِفُ الْأَخُ إِذَا رُدَّتْ شَهَادَةُ أَخِيهِ أَنَّهُ مَا عَفَا عَنِ الدِّيَةِ وَلَا يَذْكُرُ الْقَوَدَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَالَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، إِنَّهُ يَحْلِفُ الْقَاتِلُ مَعَ شَاهِدِهِ لَقَدْ عَفَا عَنِ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ، لِأَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ تَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ فَكَانَتْ عَلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَخَالَفَتْ يَمِينَ الْأَخِ، لِاخْتِصَاصِهَا بِإِثْبَاتِ الْمُسْتَحِقِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ شَهِدَ وَارِثٌ أَنَّهُ جَرَحَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ أَقْبَلْ لِأَنَّ الْجُرْحَ قَدْ يَكُونُ نَفْسًا فَيَسْتَوْجِبُ بِشَهَادَتِهِ الدِّيَةَ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ كُلَّ شَاهِدٍ جَرَّ بِشَهَادَتِهِ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، أَوْ دَفَعَ بِهَا ضَرَرًا، كَانَتْ شهادته مردودة فإذا شهد وارثا المجروح وهم أَخَوَاهُ، أَوْ عَمَّاهُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ جَرَحَهُ لَمْ تَخْلُ حَالُ الشَّهَادَةِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ انْدِمَالِ الْجُرْحِ، فَشَهَادَتُهُمَا مَقْبُولَةٌ، لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَا نَفْعًا وَلَا يَدْفَعَانِ بِهَا ضَرَرًا، سَوَاءٌ أَوَجَبَتِ الْقِصَاصَ أَوِ الدِّيَةَ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ قَبْلَ انْدِمَالِ الْجُرْحِ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ فَلَا تُقْبَلُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا قَدْ تَسْرِي إِلَى نَفْسِهِ فَيَمُوتُ مِنْهَا وَيَصِيرَا الْمُسْتَحِقَّيْنِ لَهَا، فَيَصِيرَا شَاهِدَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا.

وَالثَّانِي: إِنَّ الْمَجْرُوحَ مَعَ بَقَاءِ الْجِرَاحِ مُتَّهَمٌ.

وَلِوَرَثَةِ الْمَرِيضِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ فِي مَالٍ وَمَنْعُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهِ كَاعْتِرَاضِهِمْ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَذَلِكَ فِي الْمَرَضِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الْجُرْحُ مِمَّا يَسْرِي مِثْلُهُ إِلَى النَّفْسِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لَهُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا لَهُ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ لَهُ وَارِثَاهُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ كَانَ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا لَهُ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي الدَّيْنِ كَمَا لَا تُقْبَلُ فِي الْجُرْحِ، وَهُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي،

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ إِنَّهَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>