للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْجِرَاحِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إِنَّ الدَّيْنَ يَمْلِكُهُ الْمَوْرُوثُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَى الْوَارِثِ وَالدِّيَةَ يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ عَنِ الْجَانِي فَصَارَ فِي الْجِنَايَةِ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَفِي الدَّيْنِ شَاهِدًا لِغَيْرِهِ فَأُمْضِيَتِ شَهَادَتُهُ وَهَذَا مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لَهُ قَبْلَ انْدِمَالِ الْجُرْحِ السَّارِي، لَمْ يَخْلُ حَالُ الْجُرْحِ مِنْ أَنْ يَسْرِيَ إِلَى النَّفْسِ، أَوْ يَنْدَمِلَ، فَإِنْ سَرَى إِلَى النَّفْسِ اسْتَقَرَّ الْحُكْمُ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِمَا، وَإِنِ انْدَمَلَ لَمْ يُحْكَمْ بِالشَّهَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَفِي الْحُكْمِ بِهَا إِنِ اسْتَأْنَفَاهَا بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي الْمُسْتَأْنَفِ لِزَوَالِ مَا مَنَعَ مِنْ رَدِّهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِلْحُكْمِ بِرَدِّهَا في الشهادة الأول كَالْفَاسِقِ إِذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَمْ تُقْبَلْ إِذَا ادَّعَاهَا بَعْدَ عَدَالَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ شَهِدَ وَلَهُ مَنْ يَحْجُبُهُ قَبِلْتُهُ فَإِنْ لَمْ أَحْكُمْ حَتَّى صَارَ وَارِثًا طَرَحْتُهُ وَلَوْ كُنْتُ حَكَمْتُ ثُمَّ مَاتَ مَنْ يَحْجُبُهُ وَرَّثْتُهُ لِأَنَّهَا مَضَتْ فِي حِينٍ لَا يَجُرُّ بِهَا إِلَى نَفْسِهِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا رُدَّتْ شَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ فِي الْجِرَاحِ اعْتُبِرَتْ بِكَوْنِهِمَا وَارِثَيْنِ عِنْدَ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّهُمَا بِحَالِ التُّهْمَةِ الْمُوجِبَةِ لِلرَّدِّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَاخْتَلَفَ حَالُهُمَا قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَبَعْدَهَا فَلَهُمَا حَالَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَا غَيْرَ وَارِثَيْنِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ ثُمَّ يَمُوتُ مَنْ يَحْجُبُهُمَا فَيَصِيرَا وَارِثَيْنِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ فهذا على ضربين:

أحدهما: أن يصيرا الشاهدين وَارِثَيْنِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ، وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا، فَشَهَادَتُهُمَا مَرْدُودَةٌ لِحُدُوثِ مَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِهَا عِنْدَ الْحُكْمِ بِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ، فَلَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى فَسَقَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا فِي الْعَدَالَةِ، لِحُدُوثِ الْفِسْقِ عِنْدَ الْحُكْمِ بِهَا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: يَصِيرَا وَارِثَيْنِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا فَهِيَ مَاضِيَةٌ لَا تَنْقَضِي بِحُدُوثٍ مَا تَجَدَّدَ بَعْدَ نُفُوذِ الْحُكْمِ بِهَا، كَمَا لَوْ حُكِمَ بشهادة العدلين ثم فسقا لم ينقضي الْحُكْمُ بِحُدُوثِ فِسْقِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ)

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَا وَارِثَيْنِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ وَيَحْدُثُ مَنْ يَحْجُبُهُمَا فَيَصِيرَا غَيْرَ وَارِثَيْنِ بَعْدَهَا، فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شَهَادَتِهِمَا لِاقْتِرَانِ التُّهْمَةِ بِهِمَا فَإِنِ اسْتَأْنَفَاهَا بَعْدَ أَنْ صَارَا غَيْرَ وَارِثَيْنِ فَفِي جَوَازِ قَبُولِهَا عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْوَجْهَيْنِ فِي إِعَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>