للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فَظَاهِرُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَوَازُ الْوَكَالَةِ وَظَاهِرُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ بُطْلَانُهَا فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ، وَقَدْ شَرَحْنَا كِلَا الطَّرِيقَتَيْنِ، فَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ فِي الِاسْتِيفَاءِ لَا تَصِحُّ مُنِعَ الْوَكِيلُ مِنَ الْقِصَاصِ، فَإِنِ اقْتَصَّ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ مَعَ فَسَادِ عَقْدِهِ، وَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِ الْوَكَالَةِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَإِنْ عُقِدَتِ الْوَكَالَةُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ صَحَّتْ وَإِنْ عُقِدَتْ قَبْلَ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ فَفِي صِحَّتِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ لِعَقْدِهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَصِحُّ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَتْلِ فَصَارَتِ الْوَكَالَةُ مَعْقُودَةً بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَهَكَذَا لَوْ جُمِعَ لَهُ فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ بَيْنَ تَثْبِيتِ الْقِصَاصِ، وَبَيْنَ اسْتِيفَائِهِ، صَحَّتٍ الْوَكَالَةُ فِي إِثْبَاتِهِ، وَفِي صحتها في استيفائه وجهان.

فإذا صَحَّتِ الْوَكَالَةُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَهَلْ يَلْزَمُ إِحْضَارُ الْمُوكَلِ إِلَى حَيْثُ يَعْلَمُ الْوَكِيلُ أَوِ الْحَاكِمُ بِطَلَبِهِ وَعَفْوِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، يَلْزَمُ حُضُورُهُ إِلَى حَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى الْوَكِيلِ أَوِ الْحَاكِمِ حَالُهُ فِي بَقَائِهِ عَلَى الطَّلَبِ أَوْ حُدُوثِ الْعَفْوِ، لِأَنَّهُ قَوَدٌ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ أَنْ يَعْفُوَ بَعْدَ ظُهُورِ الْقُدْرَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُ أَنْ يَقْرُبَ كَمَا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحْضُرَ، لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ بَقَاؤُهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ مَا وُكِلَ فِيهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَوَاتُ اسْتِدْرَاكِهِ كَمَا لَمْ يَمْنَعْ مِنَ التَّوْكِيلِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، وَفِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، مَعَ فَوَاتِ اسْتِدْرَاكِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَتْلِ رَجُلٍ أَوْ قَطْعِهِ اقْتُصَّ مِنَ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ هَكَذَا يَفْعَلُ وَيُعَزَّرُ الْمَأْمُورُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَ السُّلْطَانُ رَجُلًا بِقَتْلِ رَجُلٍ ظُلْمًا فَقَتَلَهُ الْمَأْمُورُ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ السُّلْطَانَ مُحِقٌّ فِي قَتْلِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَرَى قَتْلَ أَحَدٍ ظُلْمًا فَعَلَى السُّلْطَانِ الْآمِرِ الْقَوَدُ، دُونَ الْمَأْمُورِ الْقَاتِلِ، لِأَنَّ الْمَأْمُورَ كَالْآلَةِ لِالْتِزَامِهِ طَاعَةَ سُلْطَانِهِ، وَالسُّلْطَانُ هُوَ الْقَاتِلُ لِنُفُوذِ أَمْرِهِ، وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى الْمَأْمُورِ، لِأَنَّهُ أَطَاعَ فِيمَا ظَاهِرُهُ حَقٌّ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُخْتَلَفًا فِي اسْتِحْقَاقِهِ، كَقَتْلِ المسلم بالكافر،

<<  <  ج: ص:  >  >>