للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجيبوا قوتلوا ولا يقاتلوا حتى يدعوا ويناظروا إلا أن يمتنعوا من المناظرة فيقاتلوا حتى يفيئوا إلى أمر الله) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ أَهْلِ الْبَغْيِ أَنَّهُمْ ضَرْبَانِ:

ضَرْبٌ خَرَجُوا عَنِ الْقُدْرَةِ بِالِامْتِنَاعِ وَالْكَثْرَةِ، وَلَا يُوصَلُ إِلَيْهِمْ إِلَّا بِالْجُيُوشِ وَالْمُقَاتِلَةِ.

فَهُمْ مَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي إِبَاحَةِ قِتَالِهِمْ، وَأَنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ لَا يَضْمَنُونَ مَا اسْتَهْلَكُوهُ عَلَيْهِمْ فِي ثَائِرَةِ الْحَرْبِ مِنْ دِمَاءٍ وَأَمْوَالٍ، وَفِي تَضْمِينِ أَهْلِ الْبَغْيِ مَا اسْتَهْلَكُوهُ عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي ثَائِرَةِ الْحَرْبِ مِنْ دِمَاءٍ وَأَمْوَالٍ قَوْلَانِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَنْ كَانَ تَحْتَ الْقُدْرَةِ، وَهُمْ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخْتَلِطُوا بِأَهْلِ الْعَدْلِ كَابْنِ مُلْجِمٍ وَأَشْيَاعِهِ، فَأَحْكَامُنَا عَلَيْهِمْ جَارِيَةٌ فِي الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ، وَهُمْ مُؤَاخَذُونَ بِضَمَانِ مَا اسْتَهْلَكُوهُ مِنْ دِمَاءٍ وَأَمْوَالٍ، سَوَاءٌ اسْتَهْلَكُوهَا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ، أَوِ اسْتَهْلَكُوهَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيُؤْخَذُ أَهْلُ الْعَدْلِ بِضَمَانِ مَا اسْتَهْلَكُوهُ عَلَيْهِمْ مِنْ دِمَاءٍ وَأَمْوَالٍ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَنْفَرِدُوا بِدَارٍ لِكَثْرَتِهِمْ وقوتهم غير أنهم لم يتظاهروا بخلع الطَّاعَةِ، وَلَا امْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ الْحُقُوقِ، فَهَؤُلَاءِ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُمْ، وَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ مَا أَقَامُوا عَلَى حَالِهِمْ، وَإِنْ خَالَفُوا أَهْلَ الْعَدْلِ فِي مُعْتَقَدِهِمْ.

فَقَدِ اعْتَزَلَ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ عَلِيًّا وَخَالَفُوهُ فِي رَأْيِهِ، فَوَلَّى عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ عَامِلًا، فَأَطَاعُوهُ، فَكَفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ أَنْ سَلِّمُوا إِلَيَّ قَاتِلَهُ أُقِيدُ مِنْهُ، قَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَهُ. فَسَارَ إِلَيْهِمْ حَتَّى قَتَلَهُمْ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ.

فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلُوهُ قَبْلَ التَّظَاهُرِ بِخَلْعِ الطَّاعَةِ هُمْ بِهِ مُؤَاخَذُونَ وَلَهُ ضَامِنُونَ.

كَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ، وَيَصِيرُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ مَنْ تَظَاهَرَ بِخَلْعِ الطَّاعَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي قِتَالِهِمْ إِذَا تَظَاهَرُوا بِخَلْعِ الطَّاعَةِ، وَالْكَفِّ عَنْهُمْ إِذَا لَمْ يَتَظَاهَرُوا.

وَالثَّانِي: فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْهُمْ إِذَا تَظَاهَرُوا فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ قَوْلًا وَاحِدًا إِذَا لم يتظاهروا والله أعلم.

[(مسألة)]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ عَنِ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ أَوِ التَّرْكِ لِلْقِتَالِ أَيْ حَالَ تركوا فيها القتال فقد فاءوا وحرم قتالهم لأنه أمر أن يقاتل وإنما يقاتل من يقاتل فإذا لم يقاتل حرم بالإسلام أن يقاتل فأما من لم يقاتل فإنما يقال اقتلوه لا

<<  <  ج: ص:  >  >>