للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

فَإِنْ سَأَلُوا الْإِنْظَارَ مُدَّةً لَا يَجُوزُ إِنْظَارُهُمْ إِلَيْهَا عَلَى مَالٍ بَذَلُوهُ، لَمْ يَجُزْ إِنْظَارُهُمْ بِهِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ بَذْلَ الْمَالِ عَلَى الْمُوَادَعَةِ صَغَارٌ وَذِلَّةٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَالْجِزْيَةِ. وَالثَّانِي: إِنَّهُمْ رُبَّمَا أَخْرَجُوهُ إِلَى إِضْعَافِهِ بِمَا يَتَجَدَّدُ لَهُمْ مِنَ الْقُوَّةِ.

فَإِنْ أُخِذَ مِنْهُمُ الْمَالُ عَلَى الْإِنْظَارِ بَطَلَ حُكْمُ الْإِنْظَارِ، وَنُظِرَ فِيمَا دَفَعُوهُ مِنَ الْمَالِ.

فَإِنْ كَانَ مِنْ خَالِصِ أَمْوَالِهِمْ رُدَّ عَلَيْهِمْ.

وَإِنْ كَانَ مِنَ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ لَمْ يُرَدَّ، وَصُرِفَ فِي مُسْتَحِقِّيهِ.

(فَصْلٌ)

فَإِنْ خِيفَ الْمَكْرُ بِإِنْظَارِهِمْ فَبَذَلُوا رَهَائِنَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِعَهْدِهِمْ.

فَإِنْ كَانَ الْإِنْظَارُ مِمَّا لَا تَجُوزُ الْإِجَابَةُ إِلَيْهِ مَعَ أَخْذِ الرَّهَائِنِ لَمْ يُجَابُوا إِلَيْهِ بِبَذْلِ الرَّهَائِنِ.

وَإِنْ جَازَتِ الْإِجَابَةُ إِلَيْهِ بِغَيْرِ الرَّهَائِنِ كَانَتِ الْإِجَابَةُ إِلَيْهِ مَعَ أَخْذِ الرَّهَائِنِ أَوْلَى.

فَإِنْ عَادَتِ الْحَرْبُ وَرَهَائِنُهُمْ فِي أَيْدِينَا، لَمْ تُقْتَلْ رَهَائِنُهُمْ، لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مِنْ غَيْرِهِمْ.

وَلَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ أُسَارَى مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَتَلُوهُمْ، وَفِي أَيْدِينَا لَهُمْ أُسَارَى مِنْهُمْ أَوْ رَهَائِنُ لَهُمْ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ بِمَنْ قَتَلُوهُ، لِأَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُهُمْ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوِ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ قُتِلَ أَهْلُ الْحَرْبِ وَسُبُوا وَلَا يَكُونُ هَذَا أَمَانًا إِلَّا عَلَى الْكَفِّ فَأَمَّا عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: - وَهَذَا صَحِيحٌ - إِذَا اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى قِتَالِنَا بِأَهْلِ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ أَعْطَوْهُمْ، نُظِرَ حَالُ الْأَمَانِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَوْ مَشْرُوطًا بِقِتَالِنَا.

فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا: صَحَّ الْأَمَانُ لَهُمْ، وَكَانَ عَقْدُ أَهْلِ الْبَغْيِ لَهُمْ كَعَقْدِ أَهْلِ الْعَدْلِ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>