للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ، أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ) .

وَلَيْسَ الْبَاغِي وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَجُعِلَ هَذَا السُّؤَالُ مَقْصُورًا فِيمَنْ أُرِيدَ دَمُهُ أَوْ مَالُهُ أَوْ حَرِيمُهُ كَيْفَ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ مَنْ أَرَادَهُ بِذَلِكَ.

فَاقْتَضَى السُّؤَالُ دَلِيلًا عَلَى الْحُكْمِ وَانْفِصَالًا عَنِ الْخَبَرِ.

فَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَنْ أُرِيدَ دَمُهُ أَوْ مَالُهُ أَوْ حَرِيمُهُ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ مَنْ أَرَادَهُ وَإِنْ أَتَى الدَّفْعُ عَلَى نَفْسِهِ - عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ مِنْ تَرْتِيبِ الدَّفْعِ بِحَالٍ بَعْدَ حَالٍ - قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مِنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) .

وَالشَّهِيدُ مَظْلُومٌ، وَلِلْمَظْلُومِ دَفْعُ الظُّلْمَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْقِتَالِ، وَمَا أُبِيحَ مِنَ الْقِتَالِ لَمْ يَجِبْ بِهِ ضَمَانٌ.

وَأَمَّا الِانْفِصَالُ عَنِ الْخَبَرِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَبَاحَ الْقَتْلَ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ اخْتَلَفَتْ مَعَانِيهَا وَاتَّفَقَتْ أَحْكَامُهَا:

أَحَدُهَا: بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، فَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَيَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ مِنْهُ، وَيَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الْكُفْرِ بَعْدَ التَّوْبَةِ.

وَالثَّانِي: بِالزِّنا بَعْدَ الْإِحْصَانِ، لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ مِنْهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ، وَفِي سُقُوطِهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ خِلَافٌ وَلَا يَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الزِّنا بَعْدَ التَّوْبَةِ.

وَالثَّالِثُ: بِقَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ، وَهَذَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَلَا يَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ.

فَلَمَّا اخْتَلَفَتِ الْمَعَانِي وَالْأَسْمَاءُ، صَارَتْ مَعَانِي الْقَتْلِ هِيَ الْمُعْتَبَرَةَ دُونَ الْعَدَدِ الْمَحْصُورِ.

وَالثَّانِي: إنَّهُ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَى الْعَدَدِ الْمَحْصُورِ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَلَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ رَافِعَةً لِحُكْمِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [الأعراف: ١٤٢] .

وَعَلَى أَنَّ لِلْخَبَرِ تَأْوِيلَيْنِ يُغْنِيَانِ عَنْ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ صَبْرًا إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، وَهَذَا لَا يُقْتَلُ صَبْرًا وَإِنَّمَا يَنْتَهِي حَالُهُ إِلَى الْقَتْلِ دَفْعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>