للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ، وَمُسْلِمٌ فِي حَالِ السَّرَايَةِ، فَسَقَطَ نِصْفُ الدِّيَةِ بِرِدَّتِهِ، وَوَجَبَ نِصْفُهَا بِإِسْلَامِهِ.

وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ تَخْرِيجِ الرَّبِيعِ مِنْ نَفْسِهِ وَلَيْسَ بِمَحْكِيٍّ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا تَقْتَضِيهِ أُصُولُ مَذْهَبِهِ. فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الْقَاتِلُ فَقَدْ مَضَى فِي الْجِنَايَاتِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يُسْبَى لِلْمُرْتَدِّينَ ذُرِّيَّةٌ وَإِنْ لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِسْلَامِ قَدْ ثَبَتَتْ لَهُمْ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ فِي تَبْدِيلِ آبَائِهِمْ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمُرْتَدُّونَ إِذَا كَانُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَمِ يَلْحَقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا خِلَافَ نَعْرِفُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ وَلَا اسْتِرْقَاقُهُمْ تَغْلِيبًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُرْمَةِ إِسْلَامِهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُؤْكَلَ ذَبَائِحَهُمْ، وَلَا يَنْكِحُوا تَغْلِيبًا لِحُكْمِ شِرْكِهِمْ، وَلَا تُقْبَلُ جِزْيَتُهُمْ، وَلَا يُهَادَنُوا، لِأَنَّ قَبُولَ الْجِزْيَةِ وَعَقْدَ الْهُدْنَةِ مَوْضُوعَانِ لِلْإِقْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ، وَالْمُرْتَدُّ لَا يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ.

فَأَمَّا إِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّونَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوِ انْفَرَدُوا بِدَارٍ صَارَتْ لَهُمْ كَدَارِ أَهْلِ الحرب فقد اختلف الصحابة - رضي الله عنهم - فِي جَوَازِ سَبْيِهِمْ وَاسْتِرْقَاقِهِمْ.

فَذَهَبَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - إِلَى جَوَازِ سَبْيِهِمْ وَاسْتِرْقَاقِهِمْ كَأَهْلِ الْحَرْبِ اعْتِبَارًا بِحُكْمِ الْكُفْرِ - وَبِهِ قَالَ شَاذٌّ مِنَ الْفُقَهَاءِ -. وَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى تَحْرِيمِ سَبْيِهِمْ وَاسْتِرْقَاقِهِمْ تَغْلِيبًا لِحُرْمَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِسْلَامِهِمْ، كَمَا يَحْرُمُ سَبْيُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. - وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ -.

فإن قيل: فقد سبى أبو بكر - رضي الله عنه - بَنِي حَنِيفَةَ حِينَ ارْتَدُّوا مَعَ مُسَيْلِمَةَ.

قِيلَ: إِنَّمَا سَبَاهُمْ سَبْيَ قَهْرٍ وَإِذْلَالٍ لِتَضْعُفَ بِهِمْ قُوَّتُهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ سَبْيَ غَنِيمَةٍ وَاسْتِرْقَاقٍ.

وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الْمُرْتَدَّةِ إِذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الْمُرْتَدِّ.

وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ: بأن علي بن أبي طالب - عليه السلام - اسْتَرَقَّ مِنْ سَبي بَنِي حَنِيفَةَ أُمَّ ابْنِهِ محمد وأولدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>