للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُمْ مُرْتَدِّينَ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَا بِغَيْرِهِمْ، فَفِيهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ - إنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الرِّدَّةِ، إِلْحَاقًا بِآبَائِهِمْ فَلَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ وَلَا اسْتِرْقَاقُهُمْ كَآبَائِهِمْ.

لَكِنْ لَا يُقْتَلُونَ إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَامْتِنَاعِهِمْ مِنَ التَّوْبَةِ.

فَإِنْ مَاتُوا قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُورَثُوا، وَكَانَ مَالُهُمْ فَيْئًا.

فيكونوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مُوَافِقِينَ لِلْمَوْلُودِينَ قَبْلَ الرِّدَّةِ مِنْ وَجْهٍ: وَهُوَ أَنَّهُمْ لَا يُسْبَوْنَ وَلَا يُسْتَرَقُونَ، وَمُخَالِفِينَ لَهُمْ مِنْ وَجْهٍ: وَهُوَ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الرِّدَّةِ قَبْلَ بُلُوغِهِمْ، وَيَجْرِي عَلَى الْمَوْلُودِينَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ بُلُوغِهِمْ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِآبَائِهِمْ، فَيَكُونُوا كُفَّارًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ آبَاءَهُمْ وَصَفُوا الْإِسْلَامَ فَثَبَتَتْ فِيهِمْ حُرْمَتُهُ وَهَؤُلَاءِ لَمْ يُولَدُوا فِي إِسْلَامِ آبَائِهِمْ وَلَا وَصَفُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ، فَانْتَفَتْ عَنْهُمْ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ بِهِمْ وَبِآبَائِهِمْ.

فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ كَأَوْلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَرُّوا بَعْدَ الِاسْتِرْقَاقِ عَلَى كُفْرِهِمْ، لِدُخُولِهِمْ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ.

وَمَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى خِيَارِهِ فِيهِمْ كَأَهْلِ الْحَرْبِ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أشياء: قتل أو استرقاق أو فدا أو من.

فيكونوا مُخَالِفِينَ لِلْمَوْلُودِينَ قَبْلَ الرِّدَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ بُلُوغِهِمْ، وَإِنْ جَرَى حُكْمُهُ عَلَى الْمَوْلُودِ قَبْلَ الرِّدَّةِ.

وَالثَّانِي: إنَّهُ يَجُوزُ سَبْيُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْمَوْلُودِ قَبْلَ الرِّدَّةِ.

(فَصْلٌ)

وَلَا فَرْقَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا بَيْنَ أَنْ يُولَدُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ.

وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: إِنْ وُلِدُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزْ سَبْيُهُمْ وَلَا اسْتِرْقَاقُهُمْ وَإِنْ وُلِدُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ جَازَ سَبْيُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ.

احْتِجَاجًا: بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنَعَتْ دَارُ الْإِسْلَامِ مَا فِيهَا وَأَبَاحَتْ دَارُ الشِّرْكِ مَا فِيهَا) .

<<  <  ج: ص:  >  >>