للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(كِتَابُ الْحُدُودِ)

(بَابُ حَدِّ الزِّنَا وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ)

قال الشافعي رحمه الله: " رجم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُحْصَنَيْنِ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَرَجَمَ عُمَرُ مُحْصَنَةً وَجَلَدَ عليه السلام بكراً مائة وغربه عاماً وبذلك أقول) .

قال الماوردي: وأما الحدود فهي عقوبات زجر الله بِهَا الْعِبَادَ عَنِ ارْتِكَابِ مَا حَظَرَ، وَحَثَّهُمْ بِهَا عَلَى امْتِثَالِ مَا أَمَرَ، وَفِي تَسْمِيَتِهَا حُدُودًا تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَدَّهَا وقدرها فلا يجوز لأحد أن يتجاوزها فَيَزِيدَ عَلَيْهَا أَوْ يَنْقُصَ مِنْهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ.

وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهَا سُمِّيَتْ حُدُودًا؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا يُوجِبُهَا، مَأْخُوذًا مِنْ حَدِّ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ يمنع من مشاركة غيرها فيها، وبه سُمِّي الْحَدِيدُ حَدِيدًا؛ لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ بِهِ، وَالْعَرَبُ تسمي البواب والسجان حَدَّادًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الْخُرُوجِ قَالَ الشَّاعِرُ:

(كم دون بابك من أقوام أحاذرهم ... بأم عَمْرٍو وَحَدَّادٍ وَحَدَّادِ)

يُرِيدُ بِالْحَدَّادِ الْأَوَّلِ الْبَوَّابَ، وَبِالْحَدَّادِ الثَّانِي السَّجَّانَ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنَ الْمَنْعِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي بَائِعَ الْخَمْرِ حَدَّادًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهَا إِلَّا بِالثَّمَنِ، وَقَدْ كَانَتِ الْحُدُودُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بِالْغَرَامَاتِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَنْ غَلَّ صَدَقَتَهُ فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ الله لَيْسَ لِآلِ مُحَمَّدٍ فِيهَا نَصِيبٌ) وَقَدْ كَانَ عليه بعض الشرائع المتقدمة، قال الله عز وجل في قصة يوسف: {فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} [يوسف: ٧٤] أَيْ مَا عُقُوبَةُ مَنْ سَرَقَ مِنْكُمْ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ فِي أَنَّكُمْ لَمْ تَسْرِقُوا مِنَّا.

قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} أَيْ جَزَاءُ مَنْ سَرَقَ أَنْ يُسْتَرَقَّ. {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [يوسف: ٧٤] أَيْ كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالظَّالِمِينَ إِذَا سَرَقُوا أَنْ يُسْتَرَقُّوا، فَكَانَ هَذَا مِنْ دِينِ يَعْقُوبَ ثُمَّ نُسِخَ غُرْمُ الْعُقُوبَاتِ بِالْحُدُودِ فَعِنْدَهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذَا قُطِعَ السَّارِقُ فَلَا غُرْمَ) فَتَأَوَّلْنَاهُ عَلَى سقوط غرم العقوبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>