للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حين رجمه، فأما المرأة فتحفر لَهَا إِنْ رُجِمَتْ بِالشَّهَادَةِ حُفَيْرَةٌ تَنْزِلُ فِيهَا إلى صدرها؛ لرواية أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَجَمَ امْرَأَةً فَحَفَرَ لَهَا إِلَى الثَّنْدُوَةِ وَلِيَكُونَ ذلك أستر لها وأصون، فإن رُجِمَتْ بِإِقْرَارِهَا فَفِي الْحَفْرِ لَهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُحْفَرُ لَهَا لِيَكُونَ عَوْنًا لَهَا عَلَى هَرَبِهَا إِنْ رَجَعَتْ عَنْ إِقْرَارِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أن يحفر لها تغليباً لحق صيانتها وسترها، قَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يُحْفَرَ للْغَامِدِيَّةِ إِلَى الصَّدْرِ وَكَانَتْ مُقِرَّةً.

(فَصْلٌ)

[الْقَوْلُ فِي صِفَةِ الْحَجَرِ فِي الرَّجْمِ]

فأما الْحَجَرُ الَّذِي يُرْجَمُ بِهِ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَكُونَ مَلْءَ الْكَفِّ، وَلَا يَكُونُ أَكْبَرَ مِنْهُ كَالصَّخْرَةِ فترجمه، ولا يكون أخف مِنْهُ كَالْحَصَاةِ فَيَطُولُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ مَوْقِفُ الرَّامِي مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يَبْعُدُ عَلَيْهِ فَيُخْطِئُهُ وَلَا يدنوا مِنْهُ فَيُؤْلِمُهُ، فَإِنْ هَرَبَ عِنْدَ مَسِّ الْأَحْجَارِ اتُّبِعَ إِنْ رُجِمَ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَا يُتْبَعُ إِنْ رُجِمَ بِالْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ مَاعِزًا هَرَبَ حِينَ أَخَذَتْهُ الأحجار فاتبع فقيل: إن عمر أتبعه فرماه بَلَحْيِ جَمَلٍ فَقَتَلَهُ، وَقِيلَ: بَلْ لَقِيَهُ عَبْدُ الله بن أنيس وقد أعجز أصحابه فَرَمَاهُ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ آتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: " هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ قبلت منهم. ولأن رجمه بإقرار غَيْرُ مُتَحَتِّمٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ وَهَرَبُهُ كَالرُّجُوعِ، وَالْأَوْلَى بِمَنْ حَضَرَ رَجْمُهُ أَنْ يَكُونَ عَوْنًا فِيهِ إِنْ رَجَمَ بِالْبَيِّنَةِ، وَمُمْسِكًا عَنْهُ إِنْ رَجَمَ بِالْإِقْرَارِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَجَمِيعُ بَدَنِهِ مَحَلٌّ للرجم في المقاتل وغير المقاتل، ولكن يختار أن يتوقى الوجه وحده لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - باتقاء الوجه.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " فَإِنْ لَمْ يُحْصَنْ جُلِدَ مِائَةً وَغُرِّبَ عَامًا عَنْ بَلَدِهِ بِالسُّنَّةِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أن حد البكر الجلد والتغريب، وسمي الحد جَلْدًا لِوُصُولِهِ إِلَى الْجَلْدِ، وَلَهُ حَالَتَانِ: حُرٌّ، وَعَبْدٌ: فَإِنْ كَانَ حُرًّا جُلِدَ مِائَةً ثُمَّ غرب بعد الجلد سنة، فأما الجلد فهو بسوط معتدل لا جديد ولا خلق، وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ لِيَأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنَ الْأَلَمِ كَمَا أَخَذَ حَظَّهُ مِنَ اللَّذَّةِ إِلَّا عُضْوَيْنِ يَكُفُّ عَنْ ضَرْبِهِمَا ويؤمر باتقائهما:

<<  <  ج: ص:  >  >>