للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ فِي " إِبْدَاءِ الصَّفْحَةِ) فالراجع غير مبد لصفحته وإنما يكون مبدئاً إذا قام عَلَى إِقْرَارِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى حقوق الآدميين فمن وجهين هما فرق يمنع من صحة الجمع:

أحدهما: أن حقوق الله تعالى تدرأ بالشبهات وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ لَا تُدْرَأُ بِهَا.

وَالثَّانِي: هُوَ أَنَّ عَلَيْهِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ أَنْ يُقِرَّ بها، وكذلك لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ فِيهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا التَّوْبَةُ مِنْهَا، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إِلَى أَنْ لَا يُقِرَّ بِهَا، فلذلك قبل رجوعه فيها.

وروى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنِ ابْنِ هَزَّالٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ يَا هَزَّالُ لَوْ سَتَرْتَهُ بثوبك كان خيراً لك) .

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَالْحُدُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةِ.

وَالثَّانِي: مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمَحْضَةِ.

وَالثَّالِثُ: مَا كَانَ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ.

فأما حقوق الله تعالى المحضة فحد الزنا وقتل الردة وحد شرب الْخَمْرِ، فَإِذَا وَجَبَتْ بِالْإِقْرَارِ سَقَطَتْ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ، وَلَوْ وَجَبَتْ بِالشَّهَادَةِ لَمْ تَسْقُطْ بِرُجُوعِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَسَقَطَتْ بِرُجُوعِ الشُّهُودِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ فِيهَا الْإِقْرَارُ بِهَا، وَالشَّهَادَةُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تَخْتَصُّ إِقَامَتُهَا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَخْتَصُّ إِقَامَةُ الْحَدِّ فِيهَا بِالشَّهَادَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ، فَعَلَى هَذَا إِنْ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَخْتَصُّ إِقَامَتُهَا بِالْإِقْرَارِ دُونَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الشهادة مع الاعتراف مطرحة، فعلى هذا لو رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَالْأَصَحُّ من إطلاق هذين الوجهين عندي أن ينظر فِي اجْتِمَاعِهِمَا، فَإِنْ تَقَدَّمَ الْإِقْرَارُ عَلَى الشَّهَادَةِ كَانَ وُجُوبُ الْحَدِّ بِالْإِقْرَارِ وَسَقَطَ بِالرُّجُوعِ، وَإِنْ تَقَدَّمَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ كَانَ وُجُوبُ الْحَدِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>