للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ الْمُسْتَبَاحَ إِذَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مِلْكٌ مَنَعَ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَيَكُونُ الْمِلْكُ مُخَالِفًا لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ فَكَانَ مِنْ أَقْوَى الشُّبَهِ وَالنِّكَاحُ غَيْرُ ثَابِتٍ فَارْتَفَعَتْ شُبْهَتُهُ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَصَارَ بِخِلَافِ وَطْءِ الْغُلَامِ الَّذِي لَا يُسْتَبَاحُ جِنْسُهُ بِحَالٍ، فَهَذَا الشَّرْطُ الثَّالِثُ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الشَّرْطُ الرَّابِعُ وَهُوَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ: فَهُوَ أَنْ يَمْلِكَهَا بِعَقْدٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، فَيَكُونُ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ كَالْمَنَاكِحِ الْمُخْتَلَفِ فِي إِبَاحَتِهَا، فَإِنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ غَيْرَ مُخْتَلَفٍ فِي إِبَاحَتِهِ كَانَ الْوَطْءُ فِيهِ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَهَكَذَا المرتهن إذا وطئ جارية قد استرقها.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَى الْوَاطِئِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الشَّرْطُ الْخَامِسُ: وَهُوَ شُبْهَةُ الْفِعْلِ: فَهُوَ أَنْ يَجِدَ عَلَى فِرَاشِهِ امْرَأَةً يَظُنُّهَا أَمَتَهُ، أَوْ زَوْجَتَهُ، وَتَظُنُّهُ زَوْجَهَا، أَوْ سَيِّدَهَا فَيَطَأَهَا وَتُمَكِّنَهُ فَلَا حَدَّ عِنْدِ الشَّافِعِيِّ على واحد منهما.

وقال أبو حنيفة: عليها الْحَدُّ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الْحَدَّ إِنَّمَا يَسْقُطُ بِعَقْدٍ أو شبهة عقد، وليس ها هنا عَقْدٌ وَلَا شُبْهَةُ عَقْدٍ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ الْحَدُّ كَالْعَمْدِ.

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُ وَطِئَ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ إِذَا بَانَ أَنَّهَا غَيْرُ زَوْجَتِهِ قِيَاسًا عَلَى الْمَزْفُوفَةِ إِلَيْهِ إِذَا قِيلَ: أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَبَانَتْ غَيْرُ زَوْجَتِهِ، وَبِهِ يَفْسُدُ اسْتِدْلَالُهُ، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ فِيهِ الْحَدُّ كَالْوَطْءِ فِي نِكَاحِ المتعة، فإن قيل: لأن الْمُتْعَةَ عَقْدٌ.

قِيلَ: الْعُقُودُ الْفَاسِدَةُ لَا تُبِيحُ الْوَطْءَ وَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ هَذَا الْفَرْقُ مِنَ اسْتِوَائِهِمَا فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ اسْتِوَائِهِمَا فِي سُقُوطِ الْحَدِّ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الشَّرْطُ السَّادِسُ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ فَلِأَنَّ الْعِلْمَ بِهِ هُوَ الْمَانِعُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ كَالَّذِي لَمْ تبلغه دعوة الإسلام لم يلزمه أَحْكَامُهُ، كَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَ الزِّنَا لَمْ تَجْرِ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ، وَالَّذِي لَا يَعْلَمُ تَحْرِيمَ الزِّنَا مَعَ النَّصِّ الظَّاهِرِ فِيهِ وَإِجْمَاعُ الخاصة والعامة عليه أحد ثلاثة:

إما جنون أفاق بعد بلوغه فزنا لِوَقْتِهِ.

أَوْ حَدِيثُ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ لَمْ يَعْلَمْ أحكامه.

أو قادم من بادية لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا تَحْرِيمُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>