للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ فِي حُكْمِ الزِّنَا يُرْجَمُ إِنْ كَانَ ثَيِّبًا وَيُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ إِنْ كَانَ بِكْرًا لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا أَصْلٌ لِمَا عَدَاهُ مخرج من قوله في كتاب الشهادات.

والقول الثالث: لِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَ الِاسْتِمْنَاءَ وَإِتْيَانَ الْبَهَائِمِ زِنًا فَاقْتَضَى هَذَا مِنْ كَلَامِهِ أَنْ لَا يَكُونَ زِنًا وَلَا يَجِبُ فِيهِ حَدٌّ، وَيُعَزَّرْ فَاعِلُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهَا تَمْنَعُ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا وَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهَا.

وَالثَّانِي: لِنُفُورِ النُّفُوسِ مِنْهَا وَمَيْلِهَا إِلَى الْآدَمِيِّينَ فَوَجَبَ الْحَدُّ فِيمَا مَالَتْ إِلَيْهِ النُّفُوسُ وَسَقَطَ فِيمَا نَفَرَتْ مِنْهُ النُّفُوسُ، كَمَا وَجَبَ الْحَدُّ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ لِمَيْلِ النُّفُوسِ إِلَيْهِ، وَسَقَطَ فِي شُرْبِ الْبَوْلِ لِنُفُورِ النُّفُوسِ مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا إِنْ جَعَلْنَاهُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ أَوْجَبْنَا الْغُسْلَ بِالْإِيلَاجِ فيه، وإن لم نوجب الحد ففي وجوب الغسل بالإيلاج وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ بِهِ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّهُ فَرْجٌ مُحَرَّمٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا غُسْلَ إِلَّا بِالْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي حُكْمِ الْمُبَاشِرَةِ فِي غَيْرِ فَرْجٍ، فَأَمَّا الْبَهِيمَةُ فَقَدْ أُغْفِلَ الْكَلَامُ فِيهَا، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِ قَتْلِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي حَدِّهِ هَلْ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَبَرِ أَوْ الِاسْتِدْلَالِ؟

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَا تُقْتَلُ إِذَا قِيلَ إِنَّ حَدَّ إِتْيَانِهَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ قَتْلُهَا إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَبَرِ، وسواء كَانَتِ الْبَهِيمَةُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ في " مختصره) أنها تقتل إن كَانَتْ لَهُ وَلَا تُقْتَلُ إِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا الْفَرْقُ لَا وَجْهَ لَهُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْمَعْنَى فِي قَتْلِهَا وَلَيْسَ عَلَى الْبَهَائِمِ حُدُودٌ.

قِيلَ: لَيْسَتْ تُقْتَلُ حَدًّا وفي معنى قتلها أمران:

أحدهما: للستر على من أتاها أن لا ترى فيقذفه الناس بإتيانها.

والثاني: أن لا تَأْتِيَ بِخَلْقٍ مُشَوَّهٍ فَقَدْ قِيلَ: إِنْ بَعْضَ الرُّعَاةِ أَتَى بَهِيمَةً فَأَتَتْ بِخَلْقٍ مُشَوَّهٍ، فَعَلَى هَذَا تُقْتَلُ ذَبْحًا لَا رَجْمًا، وَفِي إِبَاحَةِ أكلها إن كانت مأكولة اللحم وجهان:

أحدهما: لا تؤكل، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَعَافُ أَكْلَهَا وَقَدْ أُتِيَتْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تؤكل؛ لأن إتيانها لم ينقلها عن جِنْسِهَا الْمُسْتَبَاحِ، وَهَلْ يَلْزَمُ غُرْمُهَا لِمَالِكِهَا إِنْ كانت غير مأكولة أو كانت مأكولة فقيل لَا تُؤْكَلُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>